بقلم : هبة عبدالعزيز
تتزامن كتابتى للمرة الثانية على التوالى عن العنف ضد المرأة، مع احتفالنا بالذكرى الخامسة لثورة ٣٠ يونيو، تلك الثورة التى تعد من أهم -إن لم تكن أهم- الثورات بالفعل فى تاريخ مصر القديم والحديث، وقد يرى البعض أن فى وجهة النظر هذه شيئاً من المبالغة، ولعلى أقولها وأنا أدرك تماماً بقدر ما استطعت أن أحصل عليه من معلومات أنه لا يوجد فى ذلك أى نوع من المبالغة على الإطلاق.
فكل الثورات التى مرت بها مصر -على الرغم من مدى خطورة أسبابها وأهمية نتائجها فى سياق كل التداعيات- من الممكن أن توضع فى كفة، وثورة ٣٠ يونيو وحدها فى الكفة الأخرى، حيث إنه ولأول مرة تتعرض مصر لمخطط تقسيم بهذا الشكل اللعين، الذى يعبث بوحدة أرضها، ويعمد إلى تمزيق ترابط شعبها، وهدم جيشها الوطنى ضمن المخطط الكبير لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، الذى كان يرمى إلى تقسيم مصر إلى خمس دويلات أو كانتونات: دولة إسلامية سنية، دولة للمسيحيين، دولة للنوبة، دولة للبدو فى سيناء، دولة فلسطينية على شمال سيناء بعد ضمها إلى غزة، مما جعلنى أسجد وأصلى لله شكراً وحمداً وشعب مصر يحتفل بمرور خمس سنوات على ثورته لإعادة تصحيح مسار الدولة المصرية وتحريرها من قبضة جماعة الإخوان الإرهابية، التى كانت أداة الغرب فى بلادنا لتنفيذ مخططهم الحقير، ولعلى كنت قد تحدثت فى مقالى السابق عن العنف ضد المرأة وبعض أشكاله، وبخاصة العنف الناتج عن ما تعرضت وتتعرض له المرأة العربية تحديداً فى المناطق التى تشهد صراعات متنوعة على السلطة أخذت معظمها صبغة دينية، وسواء أكان ذلك بطابع مذهبى أو إثنى أو عرقى أو.... أو ما إلى ذلك من بعض المشاكل -التى كانت موجودة ولكنها خامدة غالباً أو مشتعلة ولكنها محدودة الزمان والمكان والأشخاص- هنا وهناك فى عالمنا العربى ومنطقة الشرق الأوسط، التى استغلتها أيضاً بعض الدول الكبرى -من أصحاب المصالح غير المشروعة- فقامت بتعميقها وزيادة تأجيجها، حيث سكبت عليها الجاز والبنزين لتزيد شرارة تلك الأزمات والفتن والصراعات اشتعالاً، ولتبقى النار ملتهبة، مستخدمة فى ذلك عملاءها الذين صنعتهم وأسست جماعتهم المشبوهة، هؤلاء الذين لقبتهم فيما بعد بجماعات الإسلام السياسى، كأداة طيعة لتنفيذ هذا المخطط الخبيث الذى وضعه لويس برنارد ووافق عليه الكونجرس الأمريكى بالإجماع فى جلسته السرية عام ١٩٨٣م، وسأنقل لكم جزءاً مما ورد على لسان هذا البرنارد أراه من الأهمية بمكان: «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وإنه من الضرورى إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعى لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا فى ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هى تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية -دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها»، وبالفعل تم تقنين المشروع واعتماده وإدراجه فى ملفات السياسة الأمريكية واستراتيجياتها المستقبلية، وهى الاستراتيجية التى يتم تنفيذها بدقة وإصرار شديدين، ولعل ما يحدث فى المنطقة من حروب وفتن يدلل على هذا الأمر، وعلى الرغم من أن النساء لا يشاركن عادة فى الحروب والصراعات، فإن أكثر ما يتحمل الآثار والتبعات هن والأطفال بكل أسف شديد.
وما زال لحديثنا بقية.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع