بقلم: عادل درويش
يخوض 13 حزباً سياسياً المنافسة في 650 دائرة (40 إمارة ويلز، و533 إنجلترا، و18 آيرلندا الشمالية، و59 اسكوتلندا)، لانتخاب حكومة جديدة للمملكة المتحدة الشهر المقبل.
التمثيل الديمقراطي المباشر في البرلمان يعتمد على الدوائر، يمثل كلاً منها نائب جمع أعلى عدد من الأصوات. والحزب أو الائتلاف الذي يحصل على أكثر من 323 مقعداً يشكل الحكومة.
ويختلف عن التمثيل النسبي بالقوائم السائد في كل بلدان الاتحاد الأوروبي، ولذا يصعب عليهم فهم النظام البرلماني في أزمة «بريكست». فبروكسل تخطئ بتفسيرها فارق 4 في المائة في استفتاء 2016، كانقسام يحسمه استفتاء ثانٍ.
لكن الفارق أكبر في النظام البرلماني لأن ثلثي الدوائر صوتت لـ«بريكست» والثلث فقط صوت بالبقاء. واقع لا يعكسه مجلس العموم بثلثي الأعضاء «بقائيون» والثلث «خروجيون».
عارض نصف النواب إجراء الانتخابات هذا الأسبوع أو امتنعوا عن التصويت خشية خسارة مقاعدهم لتخليهم عن وعودهم للناخبين.
الأحزاب الموالية للاتحاد الأوروبي تريد تغيير النظام الانتخابي إلى نظام التمثيل النسبي، لتحسب الأصوات على المستوى القومي مما يزيد عدد مقاعدهم.
58 من النواب البقائيين الحاليين لن يخوضوا الانتخابات، وآخرون هجروا أحزبهم التقليدية إلى حزب الديمقراطيين الأحرار الذي يخوض الانتخابات بوعد إلغاء نتيجة الاستفتاء والبقاء في الاتحاد الأوروبي، ليترشحوا في دوائر صوتت بالبقاء لفقدان ناخبي دوائرهم الأصلية الثقة بهم.
البرلمان المنتهي جمد العمل السياسي بتعطيل صفقة الخروج بأمل إلغائه كاملاً، ما دفع برئيس الوزراء بوريس جونسون إلى المقامرة بإجراء انتخابات في منتصف الشتاء القاسي البرودة الغزير الأمطار القصير النهار في الجزر البريطانية.
انتخابات الشتاء في العصر الحديث انتهت بخسارة الحكومة كما حدث مع المحافظين (1970 - 1974) بزعامة الراحل إدوارد هيث (1916 - 2005) بدعوته حل البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 1973 فخسرها لصالح العمال.
قبلها بنصف قرن كان ستانلي بولدوين (1867 - 1947) خلف أندرو بونار - لو (1858 - 1923) في صيف 1923 في رئاسة الحكومة بعد إصابة الأخير بسرطان الزور - وأراد أن يزيد من عدد مقاعده البرلمانية فدعا إلى انتخابات خاطفة في ديسمبر (كانون الأول) فخسر 86 مقعداً كسبها العمال والأحرار وانتهى الأمر ببرلمان معلق.
هذا العام لم يكن أمام جونسون إلا إجراء الانتخابات في أسرع وقت لإنهاء قضية «بريكست» والتصويت على أولويات الناخب؛ كالاقتصاد، والتجارة، والصحة، والتموين والإسكان والمواصلات.
ورغم تلويح العمال بالتوسع في الخدمات يستطيع المحافظون بالتركيز عليها كسب أصوات منطقة الوسط، خصوصاً أن الناخب يعي أن مصدر تمويل العمال سيكون بالتأميمات التي تخيف المستثمر وتخرب الاقتصاد.
ديفيد كاميرون في انتخابات عامي 2010 و2015 كسب أصوات منطقة الوسط، مقلداً توني بلير في نجاحه عام 1997 بحكومة عمالية، لكن النموذج الأكبر الذي يجب على جونسون اتباعه هو الليدي مارغريت ثاتشر (1925 - 2013) التي تمكنت في 1979 من طرح برنامج اقتصادي جديد يخاطب الفرد قبل المؤسسة، ويغازل تطلعاته بتحسين أوضاعه وإحياء آماله بالصعود إلى طبقات الأثرياء، وهي، كقدوة، ابنة البقال أصبحت ثاني أعظم رؤساء بريطانيا (بعد السير ونستون تشرشل) في العصر الحديث. نجحت استراتيجيتها السياسية والاقتصادية في إبقائها في 10 داوننغ ستريت حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 1990، عندما تآمر عليها الموالون للاتحاد الأوروبي وأجبروها على الاستقالة.
تمكنت ثاتشر من توسيع قاعدتها الانتخابية في منطقة الوسط التي جرّت إليها ناخبين يصوتون تقليدياً للأحرار أو للعمال أو لا يصوتون على الإطلاق.
أهم ما قدمته هي إزالة الفوارق «الاقتصاطبقية» بكسر الحاجز النفسي للفقراء كي يتطلعوا للثراء بدلاً من الاعتماد على الدولة (الفوارق الطبقية في بريطانية لا تتحدد بالاقتصاد) كتمكينهم من تملك مسكن الإقامة بمعالجة المعوق الرئيسي وهو افتقارهم لرأس المال، فاستغلت أغلبيتها لتغيير القانون، ليس فقط لاعتبار ما دفعوه إيجاراً في مساكن الدولة والمجالس المحلية هو رأس المال، بل أيضاً إبقاء أقساط قرض الشراء في مستوى الإيجار الذي كانوا يدفعونه.
الافتقار لرأس المال اللازم وضخامة الأقساط يشكلان التحدي الأكبر اليوم أمام الشباب مسبباً أزمة إسكان كبيرة.
البريطانيون من بلدان عربية تتوزع أصواتهم وفق خطوط اقتصادية وأسلوب العمل وتراكمات ثقافية من بلدانهم الأصلية. يمكن التعرف على كتل التصويت من الصحف التي يقرأونها؛ «الفايننشيال تايمز» و«الديلي تلغراف» في اليمين، يتناولان اقتصاد الاستثمار وحرية السوق، أو النقيض الاشتراكي في صحف اليسار كـ«الغارديان» و«الديلي ميرور».
المستثمرون وأصحاب الأعمال الصغيرة بتطلعاتهم التي أثارتها حكومة ثاتشر يصوتون للمحافظين.
اللامبالون بالسياسة - وهم كثيرون خصوصاً من بلدان البيروقراطية المعقدة - يصوتون للحزب الذي كان في الحكم ساعة وصولهم إلى بريطانيا وانبهارهم بمجتمعها.
مثقفو الطبقة الوسطى؛ قراء «الغارديان» مثلاً واليسار عموماً تنقسم أصواتهم بين الديمقراطيين الأحرار والعمال.
القسم الثالث القادمون من جمهوريات سيطرة القطاع العام واعتماد الفرد على الدولة، كمعظم المهاجرين من العالم الثالث، ومعهم العاملون اليدويون، الذين «يغشون» بالتسجيل في مكاتب العمل كعاطلين للحصول على إعانة البطالة التي تمكنهم من الحصول على المسكن الشعبي الذي توفره الدولة أو المجلس المحلي، يصوتون للعمال الذين يعدونهم باشتراكية مزيد من المنح المجانية.
نجاح المحافظين من مصلحة العرب.
فبجانب الصداقة التاريخية وحماية الخليج كما أثبتت الأزمات المتكررة، برنامجهم الاقتصادي أفضل للاستثمارات والتجارة. العمال سيزيدون الضرائب لتمويل موجة التأميمات. يوم الخميس أعلنوا قائمة بأسماء عشرات المليونيرات الذين سيستهدفهم بالتأميم والضرائب مما ينفر الاستثمارات ويخرب الاقتصاد.
عشية فوز ثاتشر الكاسح، نجح اليمين في كسب الجدل الاقتصادي، فصوت له الناخب العصامي المتطلع للنجاح، بينما كسب اليسار معركة الجدل الثقافي الآيديولوجي، وتنعكس نتائجه على ناخب اليوم.
أبناء الطبقة الوسطى الميسورة مالياً يفضلون شعارات اليسار. المفارقة الساخرة أن إدارة المحافظين الناجحة للاقتصاد ضاعفت أعداد خريجي الجامعات وتحسين أوضاعهم الاقتصادية فسيطروا على الرأي العام بآيديولوجيا اليسار الاشتراكية، والحركة النسوية، ومعاداة الأصدقاء التاريخيين لبريطانيا.
عدد كبير من ناخبي الوسط يرفض اقتصاد العولمة لكنه أيضاً يتوجس من اليسار العمالي بالتأميمات الاشتراكية ومن ثقافة تهديم القيم التقليدية؛ ويتعين على جونسون جذب هؤلاء ببرنامج حرية السوق مع حماية الفقراء عن طريق برنامج اقتصادي ينسجم وثقافة الديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية الاجتماعية ترجمة خاطئة لـsocial democrats)، مع احترام حرية الفرد في الاختيار وحماية القيم الاجتماعية التقليدية وإصلاح اقتصادي كبرنامج ثاتشر لمساعدة الأسر الشابة في تملك المساكن مع التركيز على «بريكست» لإعادة ثقة الناخب في المؤسسة السياسية.