توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

  مصر اليوم -

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

بقلم: عادل درويش

 

تناولنا من قبل ظاهرة الاستقطاب في الرأي العام والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ووسائل التعبير في الديمقراطيات الغربية (وخاصة بريطانيا وأوروبا)، التي بدأت تظهر أيضاً بكثرة في بلدان قراء صحيفة «الشرق الأوسط» الغراء، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بجانب الوسائل الصحافية والعامة التقليدية باللغة العربية، وكنا أشرنا إلى الظاهرة «بالحرب الثقافية».

التعبير ظهر في عشرينات القرن الماضي مع الصدام الفكري بتبادل المناظرات الحادة بين التقليديين بأفكارهم المحافظة، والتحديثيين والليبراليين المنادين بتطوير المجتمع والأنماط الاقتصادية نحو الأفضل. وكانت المصادمات اتخذت طابع العنف في بلدان الثورات الشيوعية، كالصين بالثورة الثقافية للقضاء على الثقافة المخالفة للديكتاتورية الحاكمة وتصفية الخصوم الفكريين جسدياً. ما حدث في الصين، هو ما يثير القلق اليوم، لأن تعريف «الحرب الثقافية» تطور منذ ظهوره الأول قبل مائة عام لينعكس إلى مائة وثمانين درجة في القرن الواحد والعشرين، بعد تحول القوى التي عُرفت تقليدياً «بالتقدمية»، وهي اليسار والليبراليون، إلى كتائب «الرجعية»، التي تلغي الرأي الآخر، و«اللامنبرة» في قاعات المحاضرات والحرم الجامعي، والإذاعة والصحافة، التي يسيطر عليها الجناح الليبرالي، بمنع أي رأي مخالف للأرثوذوكسية المسيطرة على الرأي العام، خاصة في مجالات ادعاء مسؤولية العالم الغربي فقط عن التسخين الحراري وقضايا كالإجهاض ودعم الحركات الراديكالية.

أعود لتناول الموضوع، ولكن من منظور جديد، لسببين، أولهما لانتشار الظاهرة بقوة في بلدان منطقة قرائنا الأعزاء، حيث تسيطر الأصوات العالية على هوس جماعي يخرس الأقلية من الأصوات العاقلة الداعية للسلام والساعية للتهدئة، وعدم تحويل الصراع السياسي المسلح إلى كراهية الآخر، وتطويره إلى صراعات دينية وطائفية وعرقية. وثانيها أن هذه الحرب الثقافية، بدأت تتحول، هنا في بريطانيا (وعدد من بلدان أوروبا) إلى حرب أجيال أو صراع أجيال، بعد استهداف مؤسسات صناعة الرأي العام اليسارية الليبرالية المسنين والمتقاعدين (أصحاب المعاشات)، وادعاء أن كبار السن تسببوا في ازدحام مستشفيات الخدمة الصحية العامة بسبب أمراض الشيخوخة، وأيضاً تلفيق تهمة مسؤولية المسنين عن أزمة الإسكان، بتضخيم قيمة عقارتهم، وهي في الحقيقة مساكنهم التي اشتروها بالتقسيط قبل عقود، فازدادت قيمتها بارتفاع معدلات التضخم. لكن التقييم مزيف لاستحالة تحويلها من أصول ثابتة إلى نقدية سائلة تساعدهم على رفع مستوى معيشتهم. ولا تزال الدعوات تتصاعد لفرض ضرائب عالية علي قيمة العقارات، وليس على الدخل، رغم أن كبار السن ليس لديهم دخل آخر غير المعاش المحدود، وبالتالي لن يكون بقدرتهم دفع هذه الضرائب، أي سياسة تسعى لإجبارهم على ترك مساكن بعضهم عاش فيها لسبعة أو ثمانية عقود، وإخراجهم منها سيكون مثل إخراج سمكة من الماء.

سن التقاعد في بريطانيا هو ستة وستون عاماً، ويبلغ عدد المتقاعدين فيها الذين يتلقون المعاش هذا العام 12.6235.000 (حوالي ربع عدد السكان).

أحدث هجمات قوى اليسار الليبرالي على جيل المتقاعدين واستفزازها الجيل الأصغر لمزيد من «حقد الأجيال» (كتطور للحقد الطبقي) هو استهداف المعاش البسيط الذي يعيش عليه الشخص المتقاعد.

هذه التيارات تحتج على سياسة قديمة وهي ربط الزيادة السنوية في المعاش بنسبة تعكس غلاء المعيشة، وهي نسبة أقل من معدلات التضخم، لأن تحديد النسبة يسبق بداية السنة المالية، أبريل (نيسان) من كل عام بحوالي ثمانية أشهر، (أي عند إعلان الميزانية). سبب غضبهم أن الزيادة في المعاشات أقل من العلاوات التي يحصل العاملون عليها، إذ ليس للأخيرة آلية ثابتة لزيادة الأجور، وإنما حسب إمكانية تفاوض اتحاداتهم المهنية مع أصحاب العمل، والغالبية ليس لها تمثيل أي «كل شخص وشطارته».

تقدير الميزانيات واقعي، وهو أن المتقاعد المسن نادراً ما يكون بقدرته زيادة دخله، في حين أن الشباب الأصغر سناً، لديهم القدرة على أعمال إضافية، لزيادة الدخل. إلى جانب أن المتقاعدين دفعوا الضرائب طوال حياتهم المهنية.

المتقاعد يتلقى معاشاً أسبوعياً يساوي 172 دولاراً، سيزيد (عشرة في المائة) إلى 190 دولاراً أسبوعياً. وللمقارنة مثلاً - ثمن قدح القهوة خمسة دولارات وثمن البيضة دولار والخبز دولاران.

وهناك أقلية من المتقاعدين، حوالي ثلاثة ملايين، يتقاضون حداً أعلى من المعاش دفعوا ضريبة المعاش (وهي إضافية غير ضريبة الدخل العادية) لأكثر من ثلاثين عاماً، يحصلون على المعاش «الممتاز» الحد الأقصى منه يساوي 224 دولاراً أسبوعياً، من المقرر أن يرتفع في السنة المالية القادمة إلى ما يساوي 247 دولاراً أسبوعياً.

أيضاً للمقارنة، حوالي 44 في المائة من الشعب لا يدفعون ضرائب لأن دخلهم أقل من الحد الأدنى لدفع الضرائب (12.275) جنيهاً إسترلينياً سنوياً أو مقابل 298 دولاراً أسبوعياً، ويعتبرون «فقراء» حسب مستوى متوسط الدخول في المملكة المتحدة وهو 34 ألف جنيه سنوياً (ما يساوى 654 دولاراً أسبوعياً) - أي أن المتقاعدين في بريطانيا دخلهم من المعاش، في مجمله أقل من دخل «الفقير» إحصائياً بما يساوي 126 دولاراً (بثلاثة وسبعين في المائة)، ورغم ذلك ترتفع الدعوات لإلغاء قاعدة الزيادة السنوية لغلاء المعيشة للمتقاعدين بدافع حقد الأجيال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقد الطبقي وحقد الأجيال الحقد الطبقي وحقد الأجيال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon