بقلم - عادل درويش
شميمة بيجوم، بريطانية مسلمة هربت مع زميلتين وكن تلميذات في الخامسة عشرة إلى سوريا، قبل خمس سنوات في هوجة عرفت بـ«عرائس الجهاد»، مسلمات يهبن أنفسهن لـ«مجاهدي داعش».
تساءلت المؤسسة الليبرالية وقتها كيف ركبت قاصرات طائرات وعبرن الحدود، أين المسؤولون، أين الأسرة، وأين المعلمون؟ التخطيط لتحقيق الحلم الداعشي كان في غرف الدردشة حيث جرت عملية «الردكلة» وغسل المخ وتصوير إرهاب القرن الـ21 كبعث لجهاد في فجر الإسلام.
مؤسس دولة الخلافة المزعومة أبو بكر البغدادي ولى الأدبار تاركاً «داعش» تنكمش، كجلباب يتعرض للغسل الأول، من مساحة تساوي بريطانيا في عام 2014 إلى أقل من كيلومتر مربع هذا الأسبوع.
مع سقوط خلافة البغدادي ظهرت شميمة على الصفحات الأولى ونشرات الأخبار امرأة يافعة حامل في طفلها الثالث.
شميمة تزوجت من «مجاهد» (هولندي اعتنق الإسلام تعلم صنع القنابل وإطلاق الرصاص وقطع رؤوس الأسرى قبل تعلم لغة القرآن وأداء الشعائر) وأنجبت منه طفلين، ماتا نتيجة الإهمال وسوء التغذية بالتنقل طوال الوقت قتالاً وهرباً من غارات التحالف وقذائف القوات الكردية.
شميمة تثير جدلاً واسعاً له أبعاد أخلاقية وقانونية وفلسفية وبالطبع سياسية.
شميمة ترغب في العودة إلى «الوطن» لتضمن ألا يلقى طفلها الثالث مصير شقيقه وشقيقته. الوطن الذي وفر لها التعليم والإسكان المدعوم والخدمات الصحية فهجرته وكفّرته وسمته وزوجها ودواعشها «دار حربّ»، و«بلاد الكفار» وأعلنت وأصحابها الحرب عليه، وقتلوا بريطانيين مثلها تطوعوا بالذهاب إلى سوريا بلا أجر ضمن بعثات خيرية لمساعدة المنكوبين.
الوطن الذي أرسل أصحاب شميمة انتحارييهم إليه بأحزمتهم الناسفة ليعيثوا فيه قتلاً وتدميراً.
هل يستقبلها الوطن بالأحضان؟
هل يعاد تأهيلها إلى المجتمع الذي كفرته وهجرته مثلما يطالب أهلها والليبراليون وفي مقدمتهم المسؤولون والمسؤولات عن جمعية إعادة تأهيل المتطرفين التي تتلقى ميزانية ضخمة من وزارة الداخلية ومؤسسات يمولها دافعو الضرائب؟
هل تقبل الحكومة عودتها شرط تقديمها للمحاكمة؟
هل يسمح بعودتها لتمثل أمام القضاء بتهم دعم الإرهاب والتستر على القتل، وتحرم من طفلها الذي يستحيل أن يشب في رعاية الدولة حرصاً على صحته النفسية وحماية من أم غير جديرة بالأمومة مثلما ينادي بعض الأخلاقيين؟
هل شميمة إرهابية بالغة في التاسعة عشرة أم ضحية كانت قاصراً عندما غرر بها الداعشيون؟
ما يثير الزوبعة هي الطريقة التي وجهت بها شميمة النداء إلى أبناء الوطن.
شميمة هربت من معركة الخندق الأخير واختبأت في معسكر للاجئين، معظمهن «عرائس الجهاد» بأطفالهن، الذين أنجبنهم من «الجهاديين» بنية إعدادهم ليكونوا مجاهدي المستقبل ومفجري الأحزمة الناسفة.
شميمة لم تسعَ للبحث عن وسيلة اتصال بقنصلية بلدها أو أحد البريطانيين العاملين في منظمات الرعاية أو حتى الصحافيين الذين يجوبون المنطقة.
مراسل «التايمز» اللندنية، كأي صحافي منا يبحث عن قصة جديدة، قضى وقتاً طويلاً في البحث عن البنات الثلاث وما حل بهن، واقتفى الأثر حتى وصل إلى شميمة.
في المقابلة التي سجلها معها لم تبدِ أي شعور بالندم أو تعبر عن أسفها أو حتى تدعي أنها ضحية غرر بها.
قالت إن الحياة كانت عادية وممتعة وطيبة في دولة البغدادي باستثناء «إزعاج» الغارات الأميركية لصفاء الحياة اليومية.
قالت إنها لم تشاهد إعدامات بالسيف لكنها «لمحت الرؤوس المقطوعة في براميل القمامة» ولم يزعجها الأمر أو يفزعها؛ بل إنها بررت ذبح مواطنين غربيين قائلة إنهم كانوا جواسيس وكفاراً.
فلنتوقف عند وصفها الحياة اليومية في الرقة بأنها «عادية».. أتعني أنها مثل بيئة عاشتها في شرق لندن؟ مع الأسرة؟ مع الأقارب؟، مع شلة الأصدقاء؟ هل تقصد جو الكراهية للغير واعتبار من يفكر بأسلوب مخالف من الكفار الذين أُهدرت دماؤهم؟
التفاصيل تزعج الكثيرين الذين يرتعبون من عودة أمثالها وهم بالمئات في بريطانيا وحدها.
كان لـ«داعش» عشرات الآلاف من «المقاتلين»، أين ذهبوا؟
كثيرهم «متطوعون» من مسلمي أوروبا. ولذا يعترض الكثيرون على السماح لشميمة وأمثالها بالعودة إلى «الوطن» رغم أن اليسار البريطاني كعادته سارع بالمطالبة بالسماح لها بالعودة بحجة أنها كانت في الخامسة عشرة دون سن اتخاذ القرار الصائب عندما التحقت بـ«داعش» مثلما ذكرت «الغارديان»، رغم أن «الغارديان» نفسها ادعت أن الرابعة عشرة سن مناسبة لاتخاذ قرار مصيري عندما رفضت فتيات الالتزام بالزي المدرسي واستبدلن به النقاب.
وزير الداخلية، ساجد جاويد، وعد بمنع عودتها.
الكلام لا ضريبة جمركية عليه، كما يقول أهل الإسكندرية، هل بيد الوزير قانوناً أن يمنعها من العودة؟
القوانين الحالية غير واضحة ولا توجد فيها طريقة للتعامل مع هذه الحالة. فحتى قوانين مكافحة الإرهاب الصادرة في 2003 لا تنطبق على حالة شميمة التي لم ترتكب جريمة على أرض بريطانية.
محامون ليبراليون يرون في القانون لعبة يتبارون فيها مع الطرف الآخر دون اعتبار لجوهر القضية، سيجدون في القانون عشرات الثغرات لإعادة شميمة رغم أنف وزير الداخلية (بعد أن يتحمل دافع الضرائب أتعابهم فليس لدى شميمة مصدر دخل)، بحجة أنها مواطنة بريطانية ولا بلد آخر في العالم سيقبلها.
وحتى لو نجح محامو وزارة الداخلية في إقناع العدالة العمياء بأن شميمة لم تتخلَ عن التزامها بآيديولوجية «داعش» الإرهابية فأقصى ما سيحصلون عليه هو حكم بوضعها تحت المراقبة، وربما إخضاعها لجلسات العلاج النفسي التي ستستمر سنوات لإعادة تأهيلها للاندماج في المجتمع.
بالطبع سيتحمل دافع الضرائب مصاريف العلاج الذي سيصل إلى عشرات الآلاف في السنة الواحدة بجانب تكاليف وضع شميمة تحت المراقبة.
وكم من حادثة إرهابية أراقت الدماء في شوارع لندن ومانشستر على إيدي إرهابيين معروفين مسبقاً لأجهزة الأمن.
المزاج الليبرالي نفسه سيمنح شميمة شقة مفروشة مجهزة بأحدث الإمكانيات رغم أزمة الإسكان وانتظار مئات الأسر دورهم في الحصول على مسكن بعد أن يقنع محاموها، وكتّاب افتتاحية «الغارديان» والخبراء في الـ«بي بي سي»، القضاء والرأي العام بأن إسكانها جزء من تأهيلها بعيداً عن الإرهاب.
التكاليف سيتحملها دافع الضرائب طبعاً والإعانة السخية الشهرية بعد أن يجادل محاموها بأنه سيستحيل على شميمة أن تجد وظيفة ترتزق منها. مئات الآلاف ستنفق على شابة تريد العودة إلى الوطن الذي قضت خمس سنوات تحاربه عندما وجدت أنه الخيار الأفضل، بينما لا يجد مرضى السرطان الأدوية الضرورية لنقص الميزانية.
هذا هو حال بريطانيا اليوم.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع