توقيت القاهرة المحلي 09:10:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صعود اليمين في أوروبا

  مصر اليوم -

صعود اليمين في أوروبا

بقلم: عادل درويش

أحداث، متفرقة جغرافياً، تربطها تطورات جد خطيرة تذكرني بمقولة الفيلسوف الأميركي جورج سانتانيا (1863 - 1952) «من لا يعي دروس التاريخ سيعيش أحداثه مرة أخرى».

مساء الخميس شهدت العاصمة الآيرلندية أحداث عنف غير مسبوقة، ومظاهرات شغب. ألقى المسؤولون باللوم على إثارة جماعات اليمين المتطرف للشباب، على التواصل الاجتماعي تنادي بالدفاع عن «الثقافة الوطنية» بعد حادثة طعن مهاجر لأطفال ومربية أمام حضانة مدرسية.

قبلها جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الهولندية، بما وصفته المؤسسات الصحافية بـ«زلزال سياسي»، فقد فاز حزب الحرية من أقصى اليمين بزعامة غريت فيلدرز (كانت الحكومة منعته من زيارة بريطانيا قبل أربعة عشر عاماً بسبب تصريحاته العنصرية والإسلاموفوبيا، والتجأ إلى محكمة بريطانية لإلغاء الحكم)، بأكبر عدد من المقاعد (37) في البرلمان الهولندي، بينما لم يفز تكتل الأحزاب اليسارية والليبرالية سوى بـ25 مقعداً. أما حزب يمين الوسط (في في دي) - اختصار «حزب الشعب للحرية والديمقراطية»، ففاز بـ24 مقعداً.

لكن النظام البرلماني - بالتمثيل النسبي وليس نظام الدوائر المباشر - يجعل مهمة صاحب الأغلبية، فيلدرز، لتشكيل حكومة بالغة الصعوبة حتى ولو تحالف مع الـ«في في دي»، إذ ينقصه 40 مقعداً (الحد الأدنى المطلوب 76 مقعداً في البرلمان الهولندي). والتحدي نفسه أيضاً يواجه منافسيه من الكتلتين الأخريين (الوسط ويمين الوسط، أو اليسار والليبراليين).

في اليوم نفسه أيضاً تعرضت حكومة ريشي سوناك المحافظة لهجوم المعارضة لفشلها في الحد من الهجرة إلى بريطانيا، حيث بلغ الرقم الصافي للمهاجرين شرعياً هذا العام (الزيادة في عدد المهاجرين إلى بريطانيا مقابل خصم أعداد من تركوا البلاد في الفترة نفسها) قرابة ثلاثة أرباع المليون (ناهيك عن عشرات الآلاف المهاجرين غير شرعي بالقوارب، والذي تتكلف إقامتهم في الفنادق قرابة أحد عشر مليون دولار يومياً).

 

والرابط المشترك ليس فقط ارتفاع الهجرة من خارج أوروبا، بل أيضاً الإخفاقات الاقتصادية للساسة، وسياسات التعددية الثقافية، وأيضاً طبيعة النظام الانتخابي في عجز نظام التمثيل النسبي عن تقديم خيار واضح ومحدد للناخب يمكنه من التصويت لبرنامج انتخابي شامل يحقق بعض طموحاته وتطلعاته.

حيث لا تواجه بريطانيا مثلاً، بنظام الدوائر المباشرة، المشاكل التي تواجهها البلدان الأوروبية عند تشكيل حكومة، فهناك حكومة ظل برنامجها واضح يمكن للناخب البريطاني اختيارها كبديل.

الملاحظة الأخرى، دور وسائل التواصل الاجتماعي في اندلاع أعمال الشغب، خاصة وأن المواطن - سواء في هولندا أو في آيرلندا - لم يعد يثق في مصداقية الوسائل الصحافية التقليدية في نقل الحقيقة.

فالغالبية المتورطة في أعمال الشغب في دبلن كانت من شباب من السكان الأصليين والشباب العاطل عن العمل، وكثيرهم يرون أرزاقهم قطعت بسبب اعتماد أصحاب الأعمال على عمالة أرخص بين المهاجرين. لكنه ليس الاقتصاد فقط، فالصحافة الآيرلندية التقليدية تجاهلت (بسبب الصوابية السياسية الليبرالية) متابعة ارتفاع مطرد لحوادث شاذة عن ثقافة المجتمع قام بها مهاجرون، كالتحرش ومعاملة النساء بشكل غير لائق أو ممارسات وشعائر غريبة على المجتمع تعطل سير العمل أو المرور.

ومع فقدان الثقة في الصحافة التقليدية، ظهرت منابر التواصل الاجتماعي، التي تستغلها التيارات ذات الآيديولوجية المتطرفة لإشعال الموقف وترويج الكراهية ضد المهاجرين.

فمثلاً الشخص الذي أنقذ الأطفال وصارع المعتدي في دبلن ونزع سلاحه هو أيضاً مهاجر (أكبر سناً في الأربعينات)، ولذا يحتاج الأمر لصحافة مسؤولة متوازنة تعيد الثقة للمواطن بدلاً من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي.

في هولندا كانت المؤسسات الصحافية الرسمية التقليدية شنت حملة قوية بهجومها المستمر على حزب الحرية وزعيمه فيلدر، ولذلك وصفوا نتائج الانتخابات بأنها «مفاجأة».

لكنها لم تكن مفاجأة لي شخصياً، فناخبون مسلمون هولنديون أثناء الحملة الانتخابية قالوا إنهم يفضلون برنامج فيلدر السياسي والاقتصادي والحد من الهجرة، لكن تصريحاته المعادية للإسلام هي ما يمنعهم من التصويت له وسيمنحون أصواتهم لحزب يمين الوسط (في في دي) لكن ليس لأحزاب اليسار التي لا يثقون بها.

هنا نذكر دروس التاريخ، فنظام التمثيل النسبي لا يوجد فيه «حكومة ظل» ببرنامج يعدُّ بديلاً واضحاً للحكومة أمام الناخب كبريطانيا مثلاً، فتظهر أحزاب القضية الواحدة لتقتنص الأصوات إما بالآيديولوجية العاطفية (كأحزاب الخضر والبيئة، وحركات النسوية والمثليين) أو الاحتجاجية، (كالأحزاب الشعبوية الديماغوجية)، التي تصعد اليوم في أوروبا باستهداف المهاجرين، خاصة من مناطق تختلف ثقافتها الاجتماعية عن الثقافة الوطنية، إضافة إلى فشل المؤسسة الليبرالية الحاكمة في التعامل مع مسألة الهجرة.

الحزب الاشتراكي القومي (النازي) لم يكن يمثل الأغلبية بين الألمان في ثلاثينات القرن الماضي، لكنه أثار قضية شعبوية باستهداف طائفة في المجتمع بتحميلها مسؤولية تدهور الاقتصاد، فتمكن من الصعود (في برلمان 1932 كانوا الثلث فقط بينما الشيوعيون والاشتراكيون الديموقراطيون فاقوهم بـ25 مقعداً، لكن النظام الانتخابي حال دون حصول العديد من أحزاب أخرى على مقاعد) وكان إلغاء النازيين للتعددية والديمقراطية، وبقية أحداث التاريخ معروفة للجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صعود اليمين في أوروبا صعود اليمين في أوروبا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon