توقيت القاهرة المحلي 22:32:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديمقراطية ومحكمة حقوق الإنسان

  مصر اليوم -

الديمقراطية ومحكمة حقوق الإنسان

عادل درويش
بقلم -عادل درويش

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمت هذا الأسبوع لصالح مجموعة من المسنات السويسريات اتهمن حكومة بلادهن (المنتخبة ديمقراطياً) بانتهاك ميثاق حقوق الإنسان لأنها لم تتخذ إجراءات كافية للحد من التغير المناخي وآثاره، لأن ارتفاع الحرارة صيفاً يؤثر على صحتهن.

باستثناء منصات التعبير المستقلة (مشاهدوها أقلية)، فإن مؤسسات توجيه الرأي العام البريطانية (وتديرها صفوة من اليسار الليبرالي من الطبقات الميسورة) هللت للقرار. وامتلأت الشاشات بنشطاء المتفائلين يحثون زملاءهم في البلدان الموقعة على الميثاق بمقاضاة حكوماتهم (المنتخبة ديمقراطياً) في المحكمة الأوروبية.

كأقلية من المعلقين (وهمساتنا يغرقها صياح نشطاء البيئة) نرى تهديداً للديمقراطية من تدخل القضاء «المستقل» في النزاعات السياسية الآيديولوجية الطابع. فالمحكمة الأوروبية ليست في بلد له دستور وقواعد تنظم عمل المؤسسات وإنما هيئة خارجية مكونة من 46 قاضياً من بلدان مختلفة.

القاضي تيموثي أيكي، (يمثل بريطانيا) صوّت ضد الحكم، وجادل بأن القضية خارج اختصاص المحكمة، وهو ما تجاوزه أغلبية القضاة، في ظاهرة تدعو للقلق، بدوا مسيسين ويغلبون الآيديولوجية على دور القانون.

القاضي أيكي، من فقهاء القوانين الدولية والدستورية وحقوق الإنسان ملتزم بالقانون، الذي يجب أن يكون مستقلاً ومنفصلاً عن الآيديولوجيات والسياسة، ولا يكون فيه التباس في تحديد المعاني.

فمثلاً لو كان عدم مساواة بين المجموعة الشاكية وغيرهم في ميزات أو خدمات مادية أو عينية، يمكن الفصل فيها؛ مثل الدعم المادي لفواتير وقود التدفئة (أو تكييف الهواء فشكواهم أن ارتفاع درجة الحرارة صيفاً يؤثر سلبياً على صحتهن)، أو قصرت الحكومة في توفير الميزانية للبلدية المحلية لخدمة تنظيف الشوارع، أو إنارتها ليلاً. أي نشاط في قدرة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً إدارته أو التحكم فيه يكون في هذه الحالة reasonable (معقول). الكلمة في مرافعات المحاكم لها معنى محدد «معقول» بمعنى القدرة الواقعية أن يكون الفعل أو الإجراء «معقولاً» أو «غير معقول» (unreasonable). القاضي ممثل بريطانيا كمتمرس في فقه القانون رأى أن اعتقاد الشاكين أن بقدرة الحكومة أن تتحكم في المناخ أو آثاره بانتهاج سياسة «تأمل» حركات البيئة أن تصلح المناخ «في المستقبل»، هو توقع «غير معقول». الكلمات بين «القوسين» هي لتقديرات غير محددة والنتيجة المترتبة على سياسة غير محددة «قد» يثمر تبنيها «في المستقبل» (بلا تحديد المدة الزمنية) بينما يفتي القضاء فيما حدث على أرض الواقع لا تخمينات مستقبلية.

نشطاء البيئة يجادلون بأن أغلبية قضاة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، اجتهدوا في إعادة تعريف المصطلحات في قضية، يرونها استثنائية بسبب مواجهة العالم «حالة طوارئ التغير المناخي».

أقلية المعلقين، والقاضي أيكي، يرون العبارة شعاراً آيديولوجياً، بتوقع مستقبلي وليست واقعاً يمكن قياسه؛ بجانب أن الحكومة انتخبت ديمقراطياً لتفضيل الأغلبية برنامجها. ومن ثم فالناخب لا يتوقع منها إنقاص ميزانية الصحة أو التعليم أو الأمن للإنفاق على البيئة، أو فرض ضرائب جديدة لتمويلها بلا تصويت الشعب، مباشرة بالاستفتاء، أو عبر نوابه البرلمانيين.

أبسط تعريف واضح للديمقراطية في الكلمة نفسها من الإغريقية «ديموس» الشعب، و«كراتوس» السلطة. حكم الشعب للشعب، بواسطة الشعب. والديمقراطيات الناضجة تتطور من المعنى نفسه: حكم الشعب للشعب، بإجراء الانتخابات العامة في الصيغة البرلمانية بأنواعها كافة، وتبدل الحكومة أو استمراها، كل فترة وحسب قواعد متفق عليها - وهنا تأتي العبارة الشرطية الضامنة «بواسطة الشعب» - أي الشعب نفسه يحدد المدة المتفق عليها لتغيير الحكومة، والأدوات الأخرى التي تسند النظام البرلماني وهي أيضاً من الشعب.

العبارة الشرطية هذه «بواسطة الشعب» تحتاج مجلدات ضخمة لأنظمة واجتهادات وقوانين تطورت لأكثر من ألفي عام منذ تجربة أثينا القديمة. مؤسسات ثابتة لا تتغير بتغير الحكومة، ومستقلة في عملها اليومي عن الحكومة التي تتبدل بالانتخابات. وسواء كانت ملك الدولة أو قطاعات خاصة؛ فهي مستقلة عن الحكومة كالمؤسسات القانونية، والقضاء المستقل، والسلطة الرابعة بجميع أنواعها المسموعة والمرئية والمكتوبة؛ لكن في الواقع العملي الدولة أو الخزانة العامة، لا يأتي تمويلها من مطر ينزل من السماء، ولا تمتلك شيئاً، فهي أموال الشعب سواء بالضرائب، أو كمستهلك (في حالة السلطة الرابعة مثلاً).

باختصار الشعب ليس فقط مصدر السلطة، والحاكم العام للمؤسسات، ومحدد البرلمان وشكله، ومن يوظف الحكومة في عملها أو يفصلها من العمل في الانتخابات التالية، بل أيضاً الشعب نفسه هو حامي ديمقراطيته.

لكن معلقي الصفوة الليبرالية واليسار المهووس بالبيئة في مداخلاتهم بشأن القضية يرفضون أن تكون السيادة للشعب «لأنه جاهل بحقائق التغيير المناخي»، في قول ناشط جمعية بيئية لقناة «جي بي نيوز» أو: «الشعب لا يدرك أن التضحيات في مستوى المعيشة هي استثمار للمستقبل».

الصفوة الليبرالية اليسارية المعبّرة عن تيارات تعطّل مصالح الناس ووصول المرضى إلى المستشفيات، وتحطّم محطات البنزين في مظاهرات البيئة، لا تضحي فقط بالأمن والنظام والقانون لتحقيق تفوق آيديولوجياتها فحسب، بل أيضاً تحتقر ديمقراطية عمرها قرون طويلة، إذا رأت أن الناخب «جاهل» و«قاصر» و«لا يعرف مصلحته»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية ومحكمة حقوق الإنسان الديمقراطية ومحكمة حقوق الإنسان



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon