نتائج انتخابات فرعية في دائرتين، كانت كارثية لحزب المحافظين الحاكم، حيث تشير إلى أن الناخب البريطاني يريد التخلص من المحافظين بلا إشارة واضحة لتفضيل الناخب حزباً لحكومة بديلة.
فتقليدياً تذهب أصوات الدوائر المحافظة عندما تريد معاقبة الحكومة لكتلة على يسار المحافظين أو حزب من الوسط مثل الديمقراطيين الأحرار. الديمقراطيون الأحرار تكون في ثمانينات القرن الماضي من تحالف الحزب الليبرالي، وكان تأسس في 1850 ومع نهاية القرن التاسع عشر كان قد شكل أربع حكومات، واكتسح الأصوات في انتخابات 1906، واستمر في الحكم عشرة أعوام، وفي حكومة ائتلافية في العشرينات؛ وبعد انشقاق يمين الوسط عن العمال في 1981 (الديمقراطيين الاشتراكيين) اندمجوا مع الأحرار في 1988.
أصوات المحافظين في الدائرتين اللتين كانتا في حوزتهما لعقود، لم تذهب، كالمتوقع، للديمقراطيين الأحرار، إذ تراجعوا لهامش النسيان، وجاء حزب الإصلاح (حزب بريكست) اليميني في المركز الثالث.
الإصلاح فاز بأكثر من عشرة، وثلاثة عشرة في المائة، مبيناً أن برنامجه، للحد من الهجرة، وتخفيض الضرائب، والتخلي عن السياسات الاشتراكية، والابتعاد عن الهوس بالبيئة وإلغاء الضرائب الخضراء، يلقى قبول أعداد متزايدة من الناخبين، لأنه يتوغل في الريف في الدوائر التي تصوت تقليدياً للمحافظين.
استطلاعات الرأي عشية انتخابات الدائرتين وضعت العمال (45 في المائة) بـ23 في المائة تفوقاً على المحافظين (22 في المائة) وحزب الإصلاح في المركز الثالث (12 في المائة)
لكن أرقام تحول أصوات الأغلبية من المحافظين للعمال تعكس الصوت الاحتجاجي أكثر منه كتصويت لقبول برنامج العمال (لأن الدائرتين تقليدياً مع المحافظين). فالتحول من المحافظين إلى العمال كان بنسبة 28.5 في المائة في دائرة ويلنغبوره بينما كان 16.4 في المائة فقط تحول من المحافظين إلى العمال في دائرة كينغزوود. لكن نسبة الناخبين الذين لم يدلوا بأصواتهم كانت أكثر من الثلثين والغالبية الساحقة منهم يدلون بأصواتهم تقليدياً للمحافظين، ولذا فرغم نجاح العمال في اقتناص دائرتين كانتا تقليدياً مع المحافظين، فإن تشريح النتائج لا يشير إلى إمكانية تكراره النتيجة في الانتخابات العامة المتوقعة نهاية العام، كنجاح للعمال، لكنها أيضاً تنذر بهزيمة كبيرة للمحافظين.
فلو انعكست الأرقام نفسها في الانتخابات العامة (650 دائرة) فيعني أن المحافظين ستتناقص مقاعدهم البرلمانية إلى 12 مقعداً فقط، وفوز العمال بأكثر من 540 مقعداً، وهو ما لا يعكس الواقع سواء الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو المزاج العام للشعب البريطاني.
فالتصويت السلبي ضد الحكومة لا يعني أنه إيجابي للمعارضة، وأغلب الظن أن أغلبية الناخبين اتبعت القول الشكسبيري «اللعنة على ديار الاثنين»، فلم تصوت لأيهما.
مقياس أنها أصوات احتجاجية هو ما إذا كانت الأصوات للعمال ارتفعت عن انتخابات 2019 أم لا؟
فمجموع الأصوات التي حصل عليها العمال في الدائرتين كان أقل من الأصوات التي حصلوا عليها في انتخابات 2019 التي خسروها لصالح المحافظين.
حزب الإصلاح (برنامجه على يمين المحافظين) فاز بـ13 في المائة من الأصوات في دائرة ويلنغبوره، وما يفوق عشرة في المائة في دائرة كينغزوود. في الأخيرة إجمالي أصوات الوسط واليمين (8675 محافظين و2578 الإصلاح) 11253، وحتى بلا حساب أصوات حزب الاستقلال (129 صوتاً) تفوق أصوات مرشح العمال (11176 صوتاً). وكان المرشحون ستة يمثلون ستة أحزاب.
دائرة ويلنغبوره أكثر تعقيداً، فعدد المرشحين كان 11، سبعة منهم يمثلون أحزاباً وأربعة مستقلين. وإذا كان ثلثي عدد الناخبين لم يدل بأصواته، فالثلث الباقي (ما بين 30 و37 من كل مائة صوت) سيتشرذم بين عدد من الأحزاب، وعدد أكبر من الأفراد المستقلين.
الانتخابات العامة هي التي تقرر الحكومة القادمة، ولذا فالفرعية يحب أن تكون معيار المقارنة، لكنها غير مطمئنة للمحافظين إذا خسروا في الانتخابات الفرعية أكبر عدد من المقاعد خسرها أي حزب حاكم في فترة برلمانية واحدة لأكثر من ستة عقود. فقد خسروا عشرة انتخابات فرعية منذ صيف 2021 ستة منها في الستة أشهر الأخيرة. وهذا أسوأ مما حدث في البرلمان الأخير لحكومة جون ميجور المحافظة في فترتها الثانية (1992-1997)، أو الرابعة المتتالية للمحافظين منذ 1979. وكان لميجور أغلبية برلمانية بعشرة مقاعد حتى 1996 عندما أدت الأزمات الاقتصادية والارتفاع في سعر الفائدة إلى نزيف في المقاعد بخسارة 12 من الانتخابات الفرعية فانعدمت الأغلبية إلى 324 مقعداً (كان مجلس العموم وقتها 651 مقعداً) واعتمد على تأييد أصوات حزب اليستر الوحدوي (آيرلندا الشمالية) لبقائه في الحكومة حتى خسر الانتخابات في فوز كاسح للعمال بزعامة توني بلير في 1997، بنسبة 43.2 في المائة من الأصوات ترجمت إلى 418 مقعداً مقابل 30.7 في المائة للمحافظين أفقدتهم 178 مقعداً فانخفضت مقاعدهم في البرلمان إلى 165.
أمل المحافظين اليوم ضعيف اللهم إلا إذا تحالفوا مع أحزاب اليمين مثل الإصلاح واستقلال المملكة، وتخلوا عن السياسات الاشتراكية وهوس التغيير المناخي وقدموا ميزانية لتخفيض الضرائب، وإلا فسيعيد التاريخ نفسه بتكرار نتائج انتخابات 1997 هذا العام.