توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بي بي سي» ورياح التغيير

  مصر اليوم -

«بي بي سي» ورياح التغيير

بقلم - عادل درويش

رياح التغيير تعصف بالخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية، ستحمل الاستديوهات جغرافياً وأثيرياً، وتنهي أو تدمج خدمات، بعشرين لغة موجه معظمها لأمم آسيا وأفريقيا (خاصة اللغتين الفارسية والعربية).
وسائل اللغة العربية الصحافية (خاصة التواصل الاجتماعي) تبدو كأنها فوجئت بالأمر، وعبّر معظمها عن خيبة الأمل، لتعودهم، لثمانية عقود، على خدمة أكثر مصداقية وحرية في التعبير وجرأة من وسائل التعبير في جل بلدانهم.
الأسباب متعددة، أهمها الاقتصادية بتوفير (ما يقدر بخمسة وثلاثين مليون دولار في العام)، 28.5 مليون جنيه إسترليني من الميزانية السنوية للخدمة الخارجية (340 مليون جنيه، 97 مليون جنيه منها دعم مباشر من الحكومة، كان 18 مليون جنيه فقط، بجانب 267 مليون جنيه من الرخصة الإجبارية قبل خمس سنوات). الخطة طرحتها، في مطلع العام، وزيرة الثقافة والرياضة، ووسائل التعبير السابقة، نادين دوريس، تنفيذاً لوعد المحافظين الانتخابي بالتعامل مع الرخصة الإجبارية التي تدفعها البيوت البريطانية لتمويل الـ«بي بي سي»، وإعفاء كبار السن (فوق الخامسة والسبعين) منها.
هناك أيضاً أسباب أخرى أهمها تاريخ تطور الخدمة الخارجية (خاصة العربية)، بالنسبة لمصدر الميزانية؛ والتطور في وسائل التعبير الصحافي من مجرد إدارة مؤشر الراديو، مع ظهور شبكات الأقمار الصناعية ووسائل الاستقبال المحمولة، وعبر الإنترنت، وتنوع وسائل نقل المعلومات وتنوع المنابر. أيضاً تطور الأهداف الاستراتيجية للخدمة نفسها، خاصة بظهور منابر ومصادر أخرى منافسة لا تقل مصداقية عن «بي بي سي»، وأحياناً تفوقها مهنياً. وعدم وضوح narrative (السياق العام لرسالة مجمل البرامج من أخبار وشؤون ساعة ومنوعات) لبعض الخدمات باللغات الأجنبية، خاصة العربية؛ فالأخيرة تغطي مستمعين ومتفرجين لأكثر من خمس عشرة أمة مختلفة، تتنوع مصالح واهتمامات وأولويات شعوبها، وكثيراً ما تتناقض مصالح شعوب من مستمعي الخدمة نفسها مع بعضهم.
هذه بعض الأسباب والعوامل، التي جعلتنا لم نفاجأ بهذا القرار المتوقع منذ سنوات؛ وربما مفاجأة العاملين في الأقسام الخارجية في الهيئة نفسها (خاصة اللغتين الفارسية والعربية) هي التوقيت والسرعة، فقبل حدة الأزمة المالية والتمويل التي تطلبت الإسراع بالتوفير، جاءت أزمة أوكرانيا، والحرب التي تطورت إلى حرب باردة، ساخنة كحرب بالنيابة بين المنظومة العالمية التي يمثلها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، في مواجهة «الشرق»، ممثلاً في روسيا والصين، وحلفائهما، متطلباً تحويل الجهد والتمويل والتكنولوجيا في الهيئة، كذراع البروباغندا البريطانية التاريخية إلى خدمتي اللغتين الروسية والأوكرانية، وتركيز جهود ومحتوى البث الإذاعي على اللغات الأخرى في بلدان أصبحت في دائرة الحرب الدعائية، كلغات مجتمعات الصين وشبه القارة الهندية. ومع الميزانية المحدودة، تطلب هذا نقل الإمكانات من بعض الخدمات إلى الخدمة المختصة بالإذاعة الموجهة إلى الصراع مع الروس.
نقل الخدمات، وإنهاء بعضها، ودمج الأخرى، (البث التلفزيوني العالمي مع قناة الأربع وعشرين ساعة) يتوقع معه الاستغناء عن خدمات 382 من العاملين في «بي بي سي». التغيير - يعني نحو نصف خدمات اللغات الأجنبية الواحدة والأربعين، ستتحول إلى الخدمات الرقمية فقط (ديجيتال - أي استقبال عن طريق الإنترنت أو الأجهزة الذكية المحمولة أو راديو خاص) لأن البث التقليدي بالتكنولوجيا القديمة (تعرف بالأنالوغ) أصبح مكلفاً.
لم يكن الأمر مفاجأة لي من حواراتي مع عديد من العاملين في الخدمات الخارجية، ليس فقط اللغة العربية. أهم أسباب الاعتراض هو مقاومة كثير منهم للانتقال للعمل في مراكز جغرافية أخرى. البعض لأسباب شخصية واقتصادية تتعلق بمستوى المعيشة (خاصة الانتقال من بريطانيا إلى بلدان آسيوية وأفريقية، وتخفيض المرتبات، والتأثير على الأسرة)، أو أسباب موضوعية، كغياب حرية التعبير، وتقييد حركة حرية الصحافيين في البلدان التي تقترح خطة تخفيضات الـ«بي بي سي» الانتقال إليها. أيضاً الهاجس الأمني، فالعديد من الصحافيين الذين سينتقلون إلى هذه البلدان يحملون جنسية مزدوجة، وبالتالي سيتعرضون لضغوط في هذه البلدان، ويذكر القراء كيف احتجز النظام الإيراني عدداً من البريطانيين يحملون جنسية إيرانية علاوة على البريطانية، خاصة صحافية بريطانية إيرانية اعتقلها «الحرس الثوري» بتلفيق تهمة بالجاسوسية وترويج دعاية ضد إيران، لمجرد أنها كانت تدرب صحافي الـ«بي بي سي» على الخدمة الفارسية في لندن قبل ذهابها إلى إيران لزيارة أسرتها.
موظفو قسم اللغة العربية في «بي بي سي»، التلفزيون والإذاعة، كانوا يعانون من تعمد تجاهل، وتعمد عدم التعاون، من الكتلة الصحافية البريطانية الإنجليزية في الإذاعة الأصلية، مع صحافيي القسم العربي؛ وقد لمست بنفسي عدم التعاون، حتى في توفير أرقام الاتصال بالمسؤولين لمقابلتهم، مما يضطر أصدقائي في «بي بي سي» العربية للجوء لي لتوصيلهم بالساسة البريطانيين.
ويعود سبب الجفوة إلى عام 2011 بقرار الحكومة الائتلافية (ليبراليين ومحافظين) بزعامة ديفيد كاميرون (2010 - 2015) بنقل ميزانية تمويل الخدمة الخارجية في «بي بي سي» من وزارة الخارجية البريطانية، كما كان الحال لسبعة عقود، واقتطاع التمويل من الميزانية العامة للهيئة عن طريق رخصة التلفزيون، وتخفيض الدعم من الحكومة، خاصة مع ارتفاع تكلفة البث التلفزيوني باللغة العربية بسبب انتفاضات وثورات في 6 من بلدان المنطقة.
التغييرات، ستكون العودة إلى عام 1936، عندما أنشأ قسم المستعمرات (أُلغي وانضمت مكاتبه للخارجية) خدمة الإذاعة الفلسطينية من القدس، وكان أغلبها ثقافياً لمواجهة البث الثقافي باللغة العربية من الخدمة الإيطالية تحت الحكم الفاشي (1922 - 1943)، ثم تطورت بتأسيس مركز بث باللغة العربية في قبرص بتمويل من ميزانية وزارة الخارجية البريطانية في 1938 وكان 65 دقيقة أصبحت ساعتين في 1942. ومعظمها برامج ثقافية، وفي العام التالي تأسس مكتب البث من القاهرة، الذي لا يزال يعمل وينسق، مع البث من العاصمة الأردنية.
أذكر في صراع النظام المصري مع بريطانيا وفرنسا ودعم عدد من الأنظمة العربية للقاهرة، بعد حرب السويس 1956، كانت «بي بي سي» (بجانب مونت كارلو) مصدراً موثوقاً به للمصريين؛ اليوم لا تواجه الخارجية البريطانية تهديداً في أثير البروباغندا يتطلب خدمات باللغة العربية كالحال قبل ستة عقود، فهل سيكون هذا في حسابات من سيواجهون خيار الانتقال من مقر «بي بي سي» في لندن إلى أماكن أخرى؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بي بي سي» ورياح التغيير «بي بي سي» ورياح التغيير



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon