توقيت القاهرة المحلي 19:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

  مصر اليوم -

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية

بقلم - عادل درويش

عودة إلى قدرة وسائل التعبير العمومية على تشكيل الرأي العام فيما يعرف بالـ«prevailing orthodoxy»، أي مجموعة القيم والمعايير الأخلاقية، التي تغلبت على الأفكار المختلفة عنها فأصبحت السائدة في العقل الجمعي.
نموذج من جنوب البحر المتوسط مثلاً كيف تغيرت المعايير لما هو مقبول، مائة وثمانين درجة. وليقارن القارئ صورتين مثلاً لطالبات الجامعة، أو أزياء البلاج (الشاطئ)؛ واحدة التقطت في 1960 وأخرى في 2020، ويخيل إليك أنهما من بلدين، أوروبي وآسيوي، رغم أن كليهما من الإسكندرية (أو مثيلاتها) بفارق ستة عقود.
والمعتقد مثلاً أن الشبكات التلفزيونية (بجانب التواصل الاجتماعي للشباب) تشكّل الرأي العام، لكنها في الواقع جسر لعبور أفكار ولدت على أعمدة الصحافة المكتوبة. ورغم أن أعداد مشاهدي التلفزيون تفوق أضعافاً مضاعفة توزيع الصحف، فإن كل الدارسات وجدت أن المنبع الأصلي للأفكار التي غيّرت اتجاهات الرأي العام كان الصحافة المكتوبة، ومنها إما يتوجه الصحافيون إلى العمل في التلفزيون والإذاعة، أو يستلهم معدو البرامج التيارات الفكرية من المطبوعات من كتابات المثقفين والفلاسفة والأدباء والشعراء.
في العقود الأخيرة، اتخذت الصحافة المكتوبة اتجاهات جديدة، لأن أغلب صحافييها (لأسباب اقتصادية تتعلق بالمرتبات) شباب بلا أي خبرة في العمل الصحافي، أو أي مجال آخر سوى شهادة جامعية في دراسات الصحافة ومنصات التعبير (media studies)، بينما جيلنا مثلاً تعلم المهنة بالخبرة، ولم تكن هناك معاهد صحافة عندما بدأت تدريبي الصحافي «صبي مطبعة» في فليت ستريت قبل ستة عقود.
الاستخلاص نتيجة دراستين؛ الأولى أجراها في أميركا ديفيد روزيدو الباحث الأكاديمي في الصحافة على 47 صحيفة ومؤسسة إخبارية، والثانية دراسة في بريطانيا نشرت قبل أيام.
الأخيرة أجراها ماثيو جودوين بمشاركة رويزدو عن اتجاهات المتغيرات في اللغة الصحافية، وتأثيرها على الرأي العام في العقدين الأخيرين (2000 - 2020)، وذلك بدراسة 16 مليون موضوع صحافي من أخبار، وتحليلات، وأعمدة الرأي، في أكبر عشر مؤسسات صحافية، ومنابر التعبير الأقوى تأثيراً في الرأي العام البريطاني، سواء من اليسار (كـ«بي بي سي»، و«الغارديان» و«الإندبندنت)، أو من الليبرالية ويسار الوسط (كـ«التايمز»، و«الفايننشال تايمز») أو اليمين الوسط كـ«الديلي ميل».
وظف المشروع برنامج «سوفت وير» لمسح ما نشر وبث إذاعياً، لتفقد تعبيرات دخلت اللغة الصحافية مؤخراً، ولم تكن مستخدمة قبل عقدين؛ عبارات مرتبطة بالتحيز والتمييز لها دلالة سياسية أو آيدلوجية للتأثير العاطفي، المباشر أو اللاشعور على المشاهدين والقراء. تعبيرات مثل «التفرقة العنصرية» و«التمييز الجنسي»، و«الإسلاموفوبيا»، و«الاستيلاء على ثقافة الأقليات»، و«عنصرية اللاوعي»؛ والعبارات المرتبطة بـ«العدالة الاجتماعية».
وجد برنامج البحث زيادة خمسمائة ضعف في المتوسط (511 في المائة) في استخدام تعبيرات كـ«تفوق سلالة البيض»، و«الزينوفوبيا» (معاداة الأجانب) و«العنصرية»؛ في حين ارتفع استخدام تعبيرات مثل «التمييز على أساس الجنس»، و«الميسوجينية (معاداة المرأة)»، و«الباطرياركية (النظام الأبوي المؤسسي)»، و«التمييز بين الجنسين» بنسبة 172 في المائة. وكذلك الحال بالنسبة لمصطلحات مثل «تخويف المتحولين جنسياً» (بنسبة 4143 في المائة)، و«الإسلاموفوبيا» بزيادة 306 في المائة، ومعاداة السامية بزيادة 381 في المائة.

واتضح من البحث المستفيض في اشتماله على مصادر تعبير صحافة متعددة، أن انتشارها شمل وسائل اليسار واليمين والوسط، لكنها كانت أكثر وضوحاً في المنابر اليسارية، مثل «الغارديان» و«بي بي سي». الاستثناء الوحيد، بين عامي 2015 و2020، هو أن الإشارات إلى معاداة السامية كانت أكثر ملاحظة في صحافة اليمين. تفسير جودوين كان ارتفاع الشكاوى من معادة السامية أثناء زعامة اليساري الراديكالي جيرمي كوربين لحزب العمال، الذي ناصبته صحف اليمين العداء.
الدراسة ركزت على «بي بي سي»، لأنها الخدمة القومية العامة التي تحدد الأجندة اليومية للسياسة، والأكثر تأثيراً والأعمق في الرأي العام للأمة. ما بين عامي 2010 و2020، زادت إشارات «بي بي سي» إلى المصطلحات التي توحي بالعنصرية بنسبة 802 في المائة، وتعبيرات التمييز الجنسي بنسبة 610 في المائة، وترويع المثلية الجنسية والمتحولين جنسياً بنسبة 134 في المائة، و3.341 في المائة على التوالي، في حين زادت تعبيرات الإسلاموفوبيا بنسبة 585 في المائة، ومعاداة السامية بـ431.2 في المائة.
كما اتضح أن الوسائل اليسارية أكثر تطرفاً في إلصاق الصفات السلبية بالخصوم مثل وصف حزب الاستقلال (محرك التصويت لـ«بريكست») أو أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بـ«اليمين المتطرف»، بينما لا تصف اليساريين مهما بلغت راديكاليتهم بالتطرف.

المفارقة أنه مع زيادة إقناع الوسائل الصحافية للرأي العام بوجود هذه التفرقة والسلبيات (استطلاع مؤسسة «يوغوف» في يونيو/ حزيران 2000 وجد أن أغلبية جيل الألفية يعتقدون أن بريطانيا «أكثر عنصرية» من جيل آبائهم)، فإن الواقع أن المجتمع البريطاني أصبح أقل عنصرية وأكثر تسامحاً وليبرالية عما كان عليه الوضع قبل ستة عقود (عندما كان أصحاب البيوت مثلاً يرفضون مستأجرين من السود والمهاجرين والآيرلنديين)، حسب إحصائية المجلة البريطانية لعلوم الاجتماع عدد أبريل (نيسان) 2017، وأصبح المجتمع أكثر قبولاً للمثليين والمتحولين جنسياً (إحصائية منشورات المواقف الاجتماعية البريطانية صيف 2019).
الباحثان يطرحان عدة افتراضات لتفسير التطورات في اتجاهات الصحافة، أهمها أن 90 في المائة من الصحافيين اليوم من خريجي الجامعات بلا خبرة عملية (إحصائية اتحاد الصحافيين في مايو/ أيار هذا العام). دراسة معهد «رويترز» للصحافة بمشاركة جامعة أكسفورد في 2020 وجدت أن غالبية الصحافيين من خريجي جامعات النخبة ومن أبناء الطبقات العليا يتبنون الأفكار اليسارية، إذ أجاب أكثر من ثلثيهم بأنهم يعدون أنفسهم أصحاب رسالة ونشطاء لتغيير العقلية الجماعية وليسوا صحافيين محايدين بلا مشاعر عاطفية كحال الأجيال الأكبر سناً.
الفرضية الأخرى التي يطرحها جودوين ورويزدو ما يسمى «concept creep» الزحف المتنامي للمفهوم الجديد للتعبيرات (حسب دراسة مجلة علم النفس الأميركية في صيف 2016) مثل إعادة تفسير مفهوم قديم في إطار جديد، ثم التوسع في رقعة المفهوم لابتكار مشكلة لم تكن ملاحظة أصلاً، كربط الصحافة اليسارية بين المصوتين لـ«بريكست» وبين العنصريين، أو وضع لافتة التعبيرات المستجدة على الخصوم لحرمانهم من منابر التعبير.

لا يزال الأمر يحتاج دراسات جديدة للتأكد من هذه الفرضيات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية دراسة جديدة عن تغير التعبيرات الصحافية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon