توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دبلوماسية المتاحف

  مصر اليوم -

دبلوماسية المتاحف

بقلم: عادل درويش

حادثة دبلو-سياسية بين بريطانيا واليونان، مطلع الأسبوع، تركت آثاراً سلبية على علاقات حليفين في «الناتو» تربطهما مصالح مشتركة، وأثارت تساؤلات حول مقتنيات الإرث الحضاري العالمي.

مكتب رئيس الوزراء ريشي سوناك ألغى استقباله الزعيم اليوناني كرياكو ميتسوتاكيس (رئيس الحكومة اليونانية للمرة الثانية، والأولى منذ 2019)، فرفض الأخير تخفيض مستوى اللقاء إلى نائب رئيس الحكومة البريطانية وغادر البلاد. حكومة سوناك تعرضت لانتقادات واسعة أكثرها أثناء المواجهة البرلمانية، الأربعاء، عندما وجه زعيم المعارضة السير كيير ستارمر ضربات سياسية قاسية إلى الزعيم المحافظ. كما انتقد بعض كبار الحزب الحاكم نفسه تصرف سوناك، «كطفولي»، وأنه «لا يساعد الجهود الدبلوماسية التي تبذلها وزارة الخارجية والكومنولث لدعم المصالح البريطانية»، كما قال مصدر من الوزارة لـ«الشرق الأوسط». وأضاف المصدر أن اللقاء كان سيتناول التجارة، والأمن، ومسألة الهجرة وكيفية الحد منها (ارتفاع نسبة المهاجرين غير الشرعيين بالقوارب من أسباب انخفاض شعبية حكومة سوناك، وهي أيضاً مشكلة تعاني منها اليونان).

مصادر من داوننغ ستريت أرجعت سبب إلغاء اللقاء إلى خروج الضيف اليوناني عن البروتوكول بإثارته مسألة حساسة علناً في تلفزيون «بي بي سي» عكس الاتفاق المسبق بين البلدين. وكانت مذيعة التلفزيون سألت ميتسوتاكيس - خارج سياق برنامج الزيارة - عما إذا كان سيثير موضوع خلاف قديم بين البلدين يعرف بـ«رخامات إلغين»، المعروضة في المتحف البريطاني الشهير وتطالب اليونان باستعادتها. وكان برلمان وستمنستر أصدر قانونين على مر السنوات بعدم التفريط في أي آثار. ولم يكن أمام الزعيم اليوناني إلا أن يؤكد حق بلاده في استعادة الآثار، خصوصاً وأنه يعرف أن المقابلة ستنقلها وكلات الأنباء وتنشرها الصحافة اليونانية، وبالطبع فإن أي سياسي في النظم الديموقراطية يضع عينه على الرأي العام ورد فعل الناخب لتصريحات، أو كلمات يلقيها، خصوصاً في الصحافة الأجنبية أثناء رحلة خارج الوطن.

سوناك أيضاً علي ما يبدو «افتعل» الأزمة لاستهلاك الناخب المحلي ليظهر حاميَ ممتلكات مؤسسة قومية بريطانية عريقة لها وزنها العالمي في الثقافة والحضارة الإنسانية والفنون.

رئيس المتحف جورج أوزبورن، وهو محافظ من حلفاء الحكومة وكان وزيراً للمالية ما بين 2010 و2016 (ويشرف على المفاوضات حول ملكية الآثار مع الأطراف المعنية مستقلاً عن الحكومة) قال للصحافيين إن سوناك لم يغضب لمطلب الآثار، بل لأن ميتسوتاكيس التقى زعيم المعارضة ستارمر قبله، واستطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المعارضة على الحكومة بـ20 نقطة. ستارمر بدوره يسعى للظهور على المسرح العالمي للتغطية على سوناك، مثل مشاركته الأخيرة في مؤتمر المناخ في دبي.

ومن فولكلور وزارة الخارجية البريطانية أنها مؤسسة لا تحب أن يمارس 10 دواننغ ستريت (الشارع الخلفي من مبنى الوزارة) أدواراً دبلوماسية. فالسياسة الخارجية البريطانية لم تتغير في 4 قرون، ويرى القائمون عليها أن أحداثاً كإلغاء مقابلة الزعيم اليوناني مع رئيس الحكومة سوناك تفسد خطط استراتيجيتهم، ولذا يتركون التفاوض على إعادة الآثار لإدارات المتاحف مع نظرائها في متاحف العالم.

اللورد إلغين نفسه، واسمه توماس بروس (1766-1841) وكان اللورد السابع لمنطقة إلغين في أسكوتلندا كان دبلوماسياً وسفيراً لبريطانيا لدى الدولة العثمانية وكانت اليونان جزءاً منها فلم تستقل إلا في 1832؛ رخامات إلغين يعود تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد وكانت على معبد البارثينون فوق تل الأكروبوليس في أثينا.

المعبد نفسه وهب للآلهة الإغريقية أثينا، شيده رجل الدولة الإغريقي بيراكليس (495 - 439 ق.م.) الملقب بمواطن أثينا الأول، بعد إعادة بناء المنطقة التي هدمها الفرس عند احتلالهم اليونان وتحريرها منهم في حروب استمرت ما بين 499 و449 قبل الميلاد. النقوش والتماثيل وأجزاء من البارثينون تهدمت أثناء الحرب العثمانية السادسة (1645-1660) ضد جمهورية فينيسيا (البندقية).

اللورد إلغين بدأ في 1801 مع أخصائيين إنقاذ هذه الآثار على نفقته (ما يساوي 55 مليون دولار اليوم) بإذن من الباب العالي، السلطان سليم الثالث (1789-1807) ونقل الرخام (طوله 75 متراً) إلى بريطانيا عبر مالطا، وباعها للمتحف البريطاني بأقل من نصف ما كلفته. اليونانيون بدأوا ترميم البارثينون في 1975 وينوون إعادة الأجزاء الناقصة التي سقطت أثناء الحروب العثمانية.

إعادة الآثار من متاحف كبرى، كاللوفر والمتحف البريطاني ومتحف برلين، إلى موطنها الأصلي تسبب انقسامات، ليست فقط سياسية، بل حضارية واجتماعية، حتى في البلدان المطالبة بها، خصوصاً المملوءة بآثار وغنية بتاريخ الحضارات القديمة كمصر، واليونان، والعراق والهند. الأغلبية تطالب باستعادتها لأنها خرجت أو هربت قبل استقلال هذه البلدان، وآخرون يرونها أعظم سفراء لهذه البلدان وحضارتها، خصوصاً من الباحثين الطلبة الشغوفين بحضارات كالمصرية، فيرون أنه من الأفضل تركها في المتحف البريطاني (زواره 7 ملايين و230 ألفاً العام الماضي) واللوفر (9 ملايين) ومتحف برلين (7 ملايين ونصف المليون) - أي ما يفوق ضعفي ونصف الضعف زوار مصر في الفترة نفسها، وعدد معتبر من زوار مصر مقصده شواطئ البحر الأحمر وأماكن اللهو وليس المعابد ومواقع الحضارة التاريخية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية المتاحف دبلوماسية المتاحف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon