بقلم:عادل درويش
تطورات السياسة البريطانية، في «وستمنستر» تواجه المعلقين السياسيين بخيارات وتحديات، أهمها التوقيت لإرسال الخبر.
التعويض في التويتر، الوسط التعبيري الذي ازدحم في الأيام الماضية بإشارات أهل القرية، خاصة يومي الخميس والجمعة، عند استقالة خمسة من مستشاري رئيس الوزراء، أهمهم رئيسة وحدة تخطيط السياسات، منيرة ميرزا (44 عاماً) صاحبة مؤلفات عديدة في السياسات الثقافية والاجتماعية، باستقالتها في خطاب علني.
التويتر عبّر عما لا ننشره كصحافيين وستمنستر (اتفاق تقليدي مع الساسة عما يسرون به كخلفية فقط لمساعدتنا في تحليل الأحداث، مقابل التعهد بعدم نشر الاسم وكامل المعلومات إلا بعد المراجعة لاحقاً) عن احتمال استقالة وزراء حكوميين.
أيضاً أمام الصحافيين عدد متنوع من الاستعارات والكنايات عن الحالة التي وجد فيه رئيس الوزراء، بوريس جونسون وحكومته المحافظة أنفسهم فيها.
استعارة أقوال شائعة إنجليزية مثل «إذا وقعت في حفرة، فلا تستخدم المعول لحفر المزيد»، كناية عن استمرار جونسون وفريقه في السياسات نفسها التي أثارت زوبعة المطالبة باستقالته؛ و«لا أحد يمسك بصارية سفينة توشك على الغرق»، عن هجرة المستشارين لمكتب رئيس الوزراء، وصعوبة العثور على من يعوضهم، والأهم القول: «قبطان السفينة فقد البوصلة أثناء العاصفة».
نواب المحافظين المتمسكون ببقاء جونسون (وأعدادهم في التناقص) يقللون من أثر الاستقالات بدعوى تقليص الإنفاق الحكومي وإنقاص عدد العاملين في رقم 10 داوننغ ستريت (عددهم اليوم ثلاثة أضعاف الرقم في حكومة المحافظين بزعامة مارغريت ثاتشر 1979 - 1990)، إذ يرون تضخم البيروقراطية استقواء للحكومة وتسلطها على المواطن، مما يناقض فلسفة المحافظين، ورغم ذلك فإن الاستقالات الأخيرة كانت ضربات موجعة للحكومة.
استخلصت في حديثي إلى الـ«Spads» (اختصاراً لكلمتي «خاص» و«مستشار») أن أربعة منهم استقالوا بسبب رفض جونسون نصيحتهم بشأن مواجهة خصمه السياسي، زعيم المعارضة العمالية، السير كيير ستارمر، في حلبة النزال في مجلس العموم.
المواجهة كانت مرتين هذا الأسبوع؛ الأولى أثناء البيان الوزاري يوم الاثنين عندما قدم جونسون التقرير الذي أعدته سوزان غراي، مسؤولة مجلس الوزراء في التحقيق عن انتهاك موظفي الحكومة لقوانين العزل الصحي (راجع مقالنا الأسبوع الماضي). والبيان الوزاري، حسب التقاليد البرلمانية، يتحول إلى جدل له قواعده وأصوله. المرة الثانية، كانت المساءلة الأسبوعية لرئيس الوزراء ظُهر الأربعاء (أربعة عشر سؤالاً للنواب يختارون بالقرعة) بستة أسئلة لزعيم المعارضة العمالية، وسؤالين للمعارضة الأقل عدداً (الحزب القومي الأسكوتلندي)، وعادة ما يعطي رئيس الجلسة الكلمات لنواب من أحزاب أخرى في حال ظلمتهم القرعة.
زعماء الأحزاب يخططون مع مستشاريهم الخط الذي سينتهجونه هجوماً ودفاعاً مع الخصوم مع إعداد أمثلة وقفشات (نكات لفظية) استعارة من كتب وأفلام ومسرحيات أو رياضة شعبية. مثلاً زعيم المعارضة الأسبق، إدوارد ميلليباند (2010 - 2015) وظف الكاتبة الأسكوتلندية الساخرة، (وهي أيضاً مونولوغست كوميدية) عائشة هازاريكا كمستشارة لتكتب له العبارات الساخرة القصيرة للمنازلات البرلمانية.
الاثنين الماضي كان النقاش حاداً، وطرد رئيس البرلمان، إيان بلاكفورد، زعيم الحزب القومي الأسكوتلندي من قاعة المجلس لأنه رفض الاعتذار والتراجع عن وصفه رئيس الوزراء بـ«الكاذب، ومضلل البرلمان»، وهي لغة غير برلمانية تقليدياً. في الجلسة نفسها احتدت المواجهات الكلامية، واتهم جونسون زعيم المعارضة العمالية ستارمر، عندما كان يشغل منصب المدعي العام، بالتغاضي عن استدعاء الراحل جيمي سافيل (1926 - 2011) للمثول أمام القضاء للتحقيق في اعتدائه على البنات القصر اللاتي عملن معه في برامج الـ«بي بي سي». وكان مستشارو رئيس الوزراء نصحوه بألا ينتهج هذا الخط في الهجوم، لحساسية الموضوع الذي سيستفز أهالي ضحايا سافيل ويثير أشجانهم، وأيضاً لعدم دقة الاتهام، لأن محاميّ النيابة العامة وقتها نصحوا بأن الأدلة غير كافية.
وكانت السيدة ميرزا، رئيسة وحدة التخطيط السياسي، ألحت على جونسون بضرورة الاعتذار لزعيم المعارضة بسبب خطئه الفادح في الاتهام، وهو السبب في استقالتها العلنية. أهمية الاستقالة أن ميرزا كانت مستشارته لأكثر من أربعة عشر عاماً، وكانت خططها للندن للتقارب الثقافي والتعاون بين الأعراق المختلفة، وسياستها الاجتماعية والإصلاحات في العاصمة، السبب الرئيسي في نجاحه عندما كان عمدة لندن لثماني سنوات (2008 - 2016) وانتقلت معه في كل المناصب التي شغلها، حتى رقم 10 داوننغ ستريت.
الاستعارة الكلامية الأخرى للمعلقين كانت «بيرفيكت ستورم»، فما يواجه حكومة جونسون الآن ما يعرف في المصرية الدارجة بـ«أوراجبيرفيه» وهي تحوير العامية المصرية لتعبير أصلاً من الفرنسية (العاصفة المتكاملة)، فبجانب مصاعب جونسون الشخصية (حملة منظمة من الصحافة والمؤسسات التي تريد إسقاطه لإعادة بريطانيا إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي) والانقسام الحاد في الحزب بين مؤيدين ومناهضين له، فإن الاقتصاد يواجه أكبر صعوبة له في عقدين لارتفاع معدلات التضخم (واضطرار بنك إنجلترا إلى رفع سعر فائدة الإقراض الأربعاء) بسبب الارتفاع الباهظ في أسعار الوقود، والغاز.
وزير المالية - ثاني أقوى وأهم منصب في بريطانيا - ريشي سوناك في بيانه المالي قبل ثلاثة أيام زاد من عمق الأزمة، إذ يرفض (والحكومة) نصيحة الاقتصاديين التقليديين بأن سياسة الاستغناء الكامل عن المحروقات في عدم التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي من المياه والأراضي البريطانية، وفرض رسوم على فواتير الطاقة والسائقين لدعم «الطاقة الخضراء» تضر بالاقتصاد، لكونها وسائل غير عملية.
اتجاه الحكومة لزيادة الضرائب، لمواجهة عجز هائل في الميزانية بسبب الإنفاق على قطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية ودعم المعزولين أثناء وباء «كوفيد»، تثير أيضاً اعتراض عدد كبير من نواب الحكومة، لأن الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل تواجه زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية.
وزير المالية، سوناك، (ويرشحه خصوم جونسون للزعامة بديلاً عنه، ويراه يمين الحزب اشتراكي الميول والسياسات رغم ثراء أسرته، ويخشون سياسته المالية) في مؤتمره الصحافي، الخميس، لم يلتزم موقف بقية الوزراء في دعم جونسون، وانتقد، بشكل غير مباشر، هجوم الأخير على زعيم المعارضة. عاصفة متكاملة تواجه حكومة المحافظين التي قد تبدو أقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية، وفشلها يهدد اقتصاد بريطانيا، والاستثمارات العربية فيها.