توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانحياز الصحافي بغياب المعلومات

  مصر اليوم -

الانحياز الصحافي بغياب المعلومات

بقلم:عادل درويش

سبب عودتي لموضوع الدقة الصحافية في استخدام تعبيرات محددة المعني لزماننا ومستقبلاً للباحثين والأكاديميين للرجوع إليها في الأرشيف، هو تزامن موسم الاحتفالات والمهرجانات الفنية والثقافية والسينمائية، مع احتدام الجدل حول تعابير وظفتها الشبكات التلفزيونية في تغطية المظاهرات الانقسامية، بين مؤيد ومعارض لقرار المحكمة السامية العليا بإلغاء (التعبير الصحافي المضلل لنص يشير إلى عدم دستورية) حكم كانت أصدرته سنة 1969 لصالح شابة ضد ولاية تكساس التي تمنع قوانينها الإجهاض بلا أسباب طبية.
شكل حكم 1969 «سابقة قانونية» مكنت مراكز توفر هذه الخدمة للنساء من التمويل الفيدرالي - (من خارج الولاية) وجمد القوانين المحلية (أصدرتها مجالسها التشريعية المنتخبة، بينما القوانين الفيدرالية يشرعها الكونغرس)، بينما أعاد حكم الشهر الماضي للولايات تفعيل قوانينها التي تجرم (بالجيم) الإجهاض. التيارات النشطة تختار أسماء تعكس الفلسفة الرافضة للإجهاض (كدينية أو أخلاقية أو طبية)، أشهرها (وتضم أطباء وممرضات) اسمها «دعم الحياة» pro - life movement استناداً إلى المعلومات الطبية البيولوجية عن تكوين الجنين واستشعار مظاهر الحياة (كدقات القلب) بأجهزة طبية كالتجسيم بموجات الصوت.
التيارات اليسارية اعترضت على استخدام مذيعين عبارة «دعم الحياة»، نقلاً عن لافتات المتظاهرين، والاسم الرسمي للجماعة كما وصفته المتحدثة باسم الحركة.
منابر اليسار كالـ«بي بي سي» تعترف بعدم حيادها في أمور كالتسخين الحراري، ومناهضة العنصرية، والحركة النسوية، وتوجه إرشاداتها التحريرية المذيعين إلى استبدال بتعبير «دعم الحياة» تعبيرات «معارضو الإجهاض» أو «رافضو حرية الاختيار»، استرضاءً للنسويات.
في إحصائية (أجرتها البريس - غازيت، مطبوعة مهنة الصحافة منذ 1965)، عن استخدام تعبير «دعم الحياة» في تغطية مواقع الصحف والشبكات القومية لخلافية الإجهاض طوال عام، وجد أن أكثرها كان 75 مرة في «الديلي ميل» (الصحيفة الأكثر قراءة بين نساء بريطانيا)، وتليها «الديلي تلغراف» المحافظة بثماني عشرة مرة، فـ«التايمز» أربع عشرة مرة، وأقلها «الغارديان» وموقع «بي بي سي»، مرة واحدة لكليهما.
من خبرة نصف قرن في الصحافة اكتشفت أن أكثر أساليب اللاحيادية، وأعمقها تأثيراً في تحويل الرأي العام على المدى الطويل هو الانتقائية، بتعمد تجاهل الحقائق الأساسية. كما أنها طوق نجاة للوسيلة الصحافية (التي تحول التغطية الإخبارية إلى حملة لتغيير اتجاه الرأي العام). صحف اليسار سلبية تجاه بريطانيا والصناعات الرأسمالية الأوروبية، بينما لا تذكر الصين عند معالجة تلويث الصناعة للبيئة. التأثير يقع في العقل الباطن للمتلقي بتجاهل معلومة أن ما تبنيه الصين شهرياً من محطات توليد طاقة وصناعات بمحروقات ملوثة للبيئة هو أكثر من ضعف ما تستخدمه بريطانيا كلها من طاقة في عام كامل، ولو بحثت في أرشيف الصحيفة فلن تجد ذكراً لذلك؛ وإذا طرح الأمر في ندوة متخصصة يبرر اليسار «مسامحة الصين مؤقتاً» حتى تلحق بقطار الثورة الصناعية الذي فاتها بمائتي عام «بسب الاستعمار الأوروبي»، ولا ينشر حوار الندوة كاملاً.
في تغطية الانقسام حول قرار المحكمة الأميركية السامية العليا، جميع الشبكات التي تشاهدها في بريطانيا، (نحو عشر) ليست محايدة بل تدعم «حق النسوة في الاختيار» والسبب في تقديرها وجود «محافظين أكثر من الديمقراطيين في المحكمة»؛ فقط شبكة تلفزيونية واحدة (جي بي نيوز وهي أفقرها مادياً)، كانت تغطيتها أكثر شمولاً في تناول زوايا تجاهلتها الشبكات الأعظم في إمكانياتها. فمثلاً لم تذكر الشبكات أن من أسباب إعادة المحكمة فحص قوانين الإجهاض، الأدلة العلمية: فإمكانيات الوسائل الطبية لمتابعة الأجنة وتكوينها اليوم تسبق بأجيال مثيلاتها في 1969. بجانب تقدم أكثر من نصف قرن في تكنولوجيا حضانات رعاية وتربية المولود غير مكتمل النمو. فقبل سنوات كان الحد الحرج نحو ثلاثين أسبوعاً. وناقش البرنامج طبيبة (من حملة دعم الحياة) ذكرت حالات ولادة غير طبيعية وأقصر مدة حمل كانت دون واحد وعشرين أسبوعاً، أي أربعة أسابيع أقل مما يسمح به قانون الإجهاض الحالي.
الطبيبة، ككثيرات غيرها، لا تعارض الإجهاض لكنها ترفض تسييس الصحة وتريد إبقاء المسألة «رعاية طبية» بهدف سلامة الأم بدنياً ونفسياً، وما هي سبل وفرص اكتمال الجنين سليماً معافى، ولذا فتسميتها معارضة «لحرية المرأة في الاختيار»، كما تصفها الصحافة اليسارية مغالطة، والأدق صحافياً «دعم الحياة» لأنها، كطبيبة، تحافظ على حياة الأم والجنين وكل من يصادفها في مهنتها.
كذلك تعجبت من تصنيفات معلقين في مهرجانات ثقافية، كمهرجان غلاستنبري الأشهر للموسيقى وفنون الاستعراض في غرب إنجلترا، وانبراء الفنانين احتجاجاً على قرار المحكمة الأميركية، دفع بعض الصحافيين لوصف فقرات أنتجت منذ أعوام مضت بأنها «أنتجت خصيصاً» تضامناً مع المتضررات من اتجاه المحكمة اليميني، كذلك تغطية الصحافة لمهرجانات سينمائية عرضت أفلاماً، مثلاً لمخرجين من أصل مصري، أو إيراني، تمثل بلداناً كالسويد مولتها وأنتجتها مؤسساتها الثقافية سماها البعض «فيلم مصري» أو «إيراني»، رغم أن أياً منهما لم يصور في البلدين، لكن في التفاخر بنجاح «ابن البلد» يضلل الصحافي قراءه.
وتكرر عدم الدقة في التغطية الصحافية لمهرجانات أدبية وثقافية، فمثلاً لا يستخدم أحد تعبير «الأدب الأوروبي»، فهناك الأدب الفرنسي، أو المسرح الألماني، أو الأدب الإسباني، وحتي بالنسبة للنصوص بلغة مشتركة كالإنجليزية تجد الأدب «الإنجليزي» غير المسرح «الأميركي»؛ فلماذا أشارت صحف إلى «الأدب الأفريقي»، بينما الأعمال بالفرنسية، والإنجليزية، والبرتغالية، والإسبانية، والأفريكانية (لغة جنوب أفريقيا تطوراً من الهولندية)، بلغات قومية بنصوص وحروف لاتينية أو عربية، فالتعريف هنا جغرافي عنصري، والأدق الأدب الأمازيغي، أو «الأدب المصري» أو «النيجيري» أو «الأدب المغربي»؛ ولا أدري أيهما أسوأ النظرة الكولونيالية العنصرية في لا شعور الصحافيين، أم الجهل والكسل الذهني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانحياز الصحافي بغياب المعلومات الانحياز الصحافي بغياب المعلومات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon