بقلم - عادل درويش
البريطانية جستين روبرتس تحتل مركزاً متقدماً في قائمة المائة سيدة الأكثر تأثيراً في الحياة العامة، ومع زميلة دراستها (من أكسفورد) كاري لونغيتون، تمتلكان غالبية مؤسسة «مامزنت» (شبكة الأمهات)، وتقدر قيمتها بـ8 ملايين و600 ألف جنيه. أطلقت موقعاً إلكترونياً في 2000م بشعار «من الأمهات والآباء إلى أنفسهم»، كساحة لقاء وتبادل نصائح بدأت بمشاركة بين الأمهات في مجالات كتدبير المنزل والصحة ورعاية الأطفال ومدارسهم ومشاكل المراهقين. الكل يطرح مشاكله واستفساراته، والمتخصصون أو أصحاب الحلول يتبادلون المعلومات. انهالت التبرعات والمنح من أقسام الحكومة، وحتى البلديات، وأيضاً من شركات منتجات الأسرة على «شبكة الأمهات»، بعد أن أشادت الحكومة العمالية السابقة برئاسة غوردون براون (2007-2010) بجهودها (2009)، وأنعمت الملكة إليزابيث الثانية عليها بلقب «ديم» (المقابل النسائي للقب «فارس» أو «سير»).
شاركت روبرتس قبل يومين في برنامج «اليوم» الصباحي في «بي بي سي»، وهو أهم برامج شؤون الساعة الإخبارية في المملكة المتحدة؛ إذ يحدد أهم نقاط الأجندة السياسية والاجتماعية التي تهم الرأي العام في البلاد. معظم ما يثيره البرنامج، يتحول إلى أسئلة يناقشها نواب مجلس العموم، وكتّاب الأعمدة في صفحات الرأي، ويتحول إلى قضايا الرأي العام.
شكوى روبرتس، وغالباً ستجد طريقها إلى ساحة القضاء، موجهة لمؤسسات عملاقة من وادي السليكون، لكنها قانونياً ومالياً متعددة الجنسية، توظف برامج الذكاء الاصطناعي مثل «غوغل» و«ميكروسوفت».
التوسع في الأعوام الأخيرة في استخدام برامج الذكاء الاصطناعي، خاصة التي تدير محركات البحث في المواقع المعرفية في شكل الأسئلة والأجوبة السريعة، أثار أسئلة ملحة ومطالب بضرورة تدخل قانوني في انتهاك حقوق التأليف والإبداع من جانب طرف ثالث. قبل تطور لوغاريتمات محركات البحث، كان من السهل، نسبياً، أن يعثر محامي دار النشر أو أسطوانات الموسيقى، على أدلة مادية تثبت سرقة بعض أو كل أجزاء عمل فني أو أدبي، ويقدمها للقضاء للحكم بتعويض المتضرر من انتهاك حقوق التأليف. فما العمل اليوم مع سرقة الأعمال والبحوث واللص برنامج أو جهاز إلكتروني وليس إنساناً عاقلاً له عنوان يمكن للمحكمة أن ترسل طلباً لاستدعائه؟
هذه باختصار المشكلة التي تواجه صاحبة «شبكة الأمهات»؛ فمحركات البحث التي تديرها برامج الذكاء الاصطناعي توفر للسائل أو الباحث معلومات حصلت عليها البرامج من مصادر مثل موقع السيدة روبرتس، بلا استئذان أو أي إشارة للمصدر للاحتفاظ بحقوق النشر والتأليف. شكاوى مماثلة من أفراد ومؤسسات في عالم النشر والموسيقى، والفنون، والصحافة، وخاصة أن الجيل الثاني من برامج الذكاء الاصطناعي تعيد برامج أخرى برمجته عبر شبكات سلسلة طويلة معقدة من إعادة البرمجة والمعادلات اللوغاريتمية بحيث لا تفيد القوانين الحالية بشأن حقوق النشر والتأليف وإعادة النشر في تحديد المسؤول الذي يمكن مقاضاته.
قضية «شبكة الأمهات» مع مؤسسات الإنترنت العملاقة بمثابة نقطة في نهر متدفق مقارنة بصحف ومؤسسات نشر عملاقة تتاجر بمليارات الجنيهات وتريد الحصول على حقوقها عند تدوير أو اقتباس المحركات لما تنشره ودفعت فيه حقوقاً للمؤلف أو الباحث الأصلي، فما أهمية قضية السيدة روبرتس ضد مؤسسات الذكاء الاصطناعي؟
محرك بحث مثل «غوغل» يتناول 40 ألف بحث في الثانية الواحدة (3 مليارات و500 مليون بحث في اليوم) أكثر من نصفها (57 في المائة) من تليفون ذكي؛ أي يصعب تحديد المكان جغرافياً والشخص المستفيد، قانونياً، من المعلومات. وبخلاف الاعتقاد بأن أولوية مواضيع البحث هي مجال العمل، خاصة الأبحاث الأكاديمية، فإن موضوع البحث الأول هو الطقس، وتليه الحاجات الفردية والأسرية على موقع «أمازون»، وأخبار مسابقات الرياضة (خاصة كرة القدم)، والإسكان (بحثاً عن بيوت للشراء أو التأجير)، ومتعلقات السكن وإصلاح المنازل، والديكور، والملابس، ومستحضرات التجميل، ووصفات الأطعمة والحلويات، ومعدات المدرسة. «شبكة الأمهات» تشمل كل هذه الأمور، إضافة إلى أفضل المدارس حسب المنطقة الجغرافية، وملابس الأطفال، وأيضاً شهادات التأمين... باختصار كل ما يتعلق بالأمور المعيشية والاستهلاكية وحاجات الأسرة.
القضية في حال نظرها غالباً ستستغرق وقتاً طويلاً، لكن النتيجة أو الحكم قد يشكل سابقة قانونية تكون حافزاً للحكومات وتجمعات إقليمية، كالاتحاد الأوروبي، للتوصل إلى اتفاق دولي فعال بشأن حقوق المؤلفين والمبدعين والنشر في عالم الغد الذي يتقلص فيه دور الإنسان أمام دور الآلة ولوغاريتمات الذكاء الاصطناعي.