بقلم: عادل درويش
أسبوع في عالم السياسة بمثابة دهر كامل، قول الزعيم البريطاني الراحل هارولد ويلسون (1916 - 1995)، وكان رئيساً لأربع حكومات عمالية.
أي تغير الرأي العام بين بداية الأسبوع ونهايته مما يؤثر على نتائج الانتخابات.
الأسبوع الثالث من الحملة الانتخابية كان طويلاً، بل أكثر طولاً مما كان يعنيه ويلسون.
لم تشهد منافسة ويلسون مع زعيم المحافظين إدوار هيث (1916 - 2005) وقتها مناظرات تلفزيونية، فهي تقليعة دخيلة على الحياة السياسة البريطانية، بل يراها المعلقون التقليديون، أمثال كاتب هذه السطور، ظاهرة أميركية «فلغير» (التعبير الفرنسي «vulgaire» وصف به جيل هوانم القرن الماضي ما يناقض السلوك المتحضر).
المناظرات التلفزيونية، ربما تناسب النظم الرئاسية، أو نظام القوائم على المستوى القومي؛ لكن ما يحسم الانتخابات في النظام البرلماني هنا هو الفوز بالعدد الأكبر من المقاعد. لأي نظام وستمنستر تعني 322 دائرة من الدوائر الـ650. وكل دائرة فيها عدد من المرشحين يمثلون أحزاباً مختلفة أو مستقلون.
محاورة الناخب على باب داره، وفي المتاجر، والمقاهي، والأسواق، هي أهم وسائل التواصل وإقناع الناخب بالبرنامج السياسي أو تنفيره منه.
مناظرة يوم الثلاثاء كانت بين رئيس الوزراء الحالي زعيم المحافظين بوريس جونسون، وزعيم المعارضة العمالية جيرمي كوربين، وأول من أمس كانت بين رؤساء الأحزاب كلها.
المناظرات لم تؤثر في مسار استطلاعات الرأي (متوسط 8 استطلاعات في آخر 48 ساعة)، فلا يزال المحافظون يتقدمون بنسبة 42 في المائة على العمال بنسبة 30 في المائة.
الأسبوع شهد إطلاق الأحزاب لبرامجها السياسية «المانيفستو الانتخابي». المحافظون يعلنون برنامجهم اليوم الأحد بعد ذهابنا للطبع.
ما تسرب من برنامجهم يجعلهم الأفضل بالنسبة للاقتصاد وللعاملين، ودافعي الضرائب والمستثمرين، خصوصاً العرب.
حزب «بريكست» سمى برنامجه «العقد مع الشعب» (كونتراكت) كعقد الإيجار أو الاتفاق التجاري. «مانيفستو» كلمة مرتبطة في الأذهان بعدم الثقة، في قول زعيم حزب «بريكست» نايجل فاراج: «فالأحزاب التقليدية لا تنفذ ما تعد به في (المانيفستو)».
أبو «بريكست»، اتخذ خطوة إيجابية نحو قضية حياته السياسية، وهي الخروج من الاتحاد، بسحب مرشحيه من 317 دائرة كان المحافظون كسبوها في انتخابات 2017، حتى لا تنقسم أصوات الخروج من الاتحاد بين المحافظين وبين حزب «بريكست»، ما يجعل بقية الأصوات، أغلبية، في حال اجتماعها لمرشح حزب «الديمقراطيين الأحرار»، الذي أعلن في برنامجه إلغاء «بريكست».
تقسيم نتائج الاستطلاعات إلى شرائح، حسب الأعمار، والطبقة الاجتماعية، والاهتمامات المختلفة، يشير إلى أن «بريكست»، لن يكون القضية الحاسمة في الانتخابات، باستثناء الشباب والدوائر التي تتداخل سياسة الاتحاد الأوروبي فيها مع الاقتصاد. دوائر صيادي السمك، والصناعات القديمة التي تحول النمط التجاري فيها إلى الخدمات، أي التأثير على أرزاق الناس بسبب العمالة الرخيصة، أو انتقال الصناعات للخارج، أو نهب صيادي الاتحاد الأوروبي للثروة السمكية البريطانية.
في استطلاع آراء المتحولين من التصويت التقليدي إلى الحزب المنافس، تجد نسبة المتحولين من التصويت للعمال إلى المحافظين تجاوزت العشرة في المائة، بينما اثنان في المائة فقط محافظون يتحولون للعمال. النسبة في انتخابات 2017 كانت 6 - 4 في المائة.
الاستطلاع الآخر هو نسبة من يثقون في زعيم الحزب كرئيس وزراء يقود البلاد وقت الأزمات. أكثر من 40 في المائة يثقون بزعيم المحافظين جونسون، مقابل 16 في المائة فقط يثقون بالزعيم العمالي كوربين، النسبة كانت متقاربة (38 في المائة - 31 في المائة) بين رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي وكوربين عشية انتخابات 2017.
السبب أن أولويات الناخب لا تزال القضايا التقليدية، وأهمها بالطبع الاقتصاد، تليه الخدمات الصحية، والأمن، ثم «بريكست» (المرتبط بالهجرة)، ثم الإسكان، والمواصلات في الدوائر التي ترتبط فيها المواصلات بكسب الرزق.
«مانيفستو» العمال وراء تراجعهم. فموقفهم غير واضح من «بريكست»، ويراهم الناخب مسؤولين عن زيادة الهجرة (40 في المائة عامة وأكثر من الثلثين في دوائر الشمال التي صوتت لـ«بريكست»، التي يستهدفها مرشحو حزب «بريكست»).
وباستثناء وعدهم بمجانية الإنترنت لكل بيت، وبرنامج رعاية (يكلفان الخزانة 84 مليار جنيه)، فإن برنامجهم بالتأميميات يعني خراباً للاقتصاد. تأميم السكك الحديد وشركات الطاقة وفرض ضرائب باهظة على الشريحة العليا من الدخول، أي 5 في المائة، رغم أن هؤلاء وحدهم يدفعون للخزانة أكثر من نصف دخلها (57 في المائة).
هناك 1 في المائة (واحد في المائة) من أصحاب الدخول العليا (400 ألف شخص تزيد دخولهم على 150 ألف جنيه سنوياً) يدفعون أكثر من 27 في المائة (54 ملياراً و300 مليون جنيه) من مجموع دخول الضرائب، أي 178 مليار جنيه في نهاية السنة المالية (مارس 2019).
البعض، خصوصاً العاملين في القطاع العام، ربما تجذبهم شعارات العمال التي تثير الحقد الطبقي في مسألة استهداف الأغنياء، والتميميات، وفرض ضرائب على شركات البترول، والاستيلاء، دون تعويضات، على 10 في المائة من أسهمها.
شركات المال والاستثمار ستهرب من لندن طبعاً، وهي مؤسسات يمتلك أسهمها مواطنون عاديون مباشرة (وأغلبهم غير موظفين في القطاع العام) أو غير مباشرة، فصناديق الضمان الاجتماعي وشركات التأمين تستثمر مدخرات معاشات العاملين في القطاع العام في هذه الشركات.
برنامج العمال شعارات يصفق لها الفقراء، بينما سينتهي بهم الأمر إلى دفع تكاليفها.
سياسة المحافظين تخفيض الضرائب لمساعدة الفقراء وتنمية الاقتصاد. فالاقتصاد نما بنسبة 40 في المائة منذ عام 2000 بسياسات (حكومتي توني بلير العمالية وديفيد كاميرون المحافظة) جذب المستثمر وتخفيض الضرائب.
نحو 6 ملايين من الأعمال الصغيرة (شركات وبناء، وخدمات، ومطاعم ومحلات صغيرة، وورش، وصنايعية وسائقو تاكسيات) مصدر رزق 13 مليوناً.
أرباح هذه العمال تُفرض عليها الضرائب كاملة حالياً، المحافظون يعدون بإعفاء أرباحها دون 10 آلاف جنيه سنوياً، من الضرائب.
دخول الأفراد دون 12500 جنيه معفاة من الضرائب. المحافظون يعدون بمساعدة شرائح أخرى بزيادة الحد الأدنى (8363 جنيهاً في العام إلى 9500 جنيه) من الإعفاء من المساهمة في الضمان الاجتماعي.
أي مساعدة حقيقية للفقراء، بجانب أن جذب الاستثمارات الأجنبية ومساعدة الأعمال الصغيرة على زيادة الربح يعني خلق مزيد من الوظائف، وبدوره مزيداً من دخل الخزانة للإنفاق على الخدمات التي يطالب بها المواطن.
ولننتظر ما يأتي به الأسبوع من مفاجآت.
- تنويه (اعتذار عن خطأ في عمود الأسبوع الماضي، فالمتظاهرة المشاغبة كانت ابنة ملك بلجيكا).