توقيت القاهرة المحلي 19:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حزب العمال البريطاني ومجلس اللوردات

  مصر اليوم -

حزب العمال البريطاني ومجلس اللوردات

بقلم - عادل درويش

حزب العمال، المعارضة الرسمية في بريطانيا يتقدم في استطلاعات الرأي بفارق يمكنه من تأسيس حكومة أغلبية لو أجريت الانتخابات غداً.زعيمه السير كيير ستارمر، وغوردون براون، الذي ترأس الحكومة العمالية ما بين 2007 و2010 نشرا برنامجاً من 155 صفحة «لإصلاحات» سياسية ودستورية، يدعيان أنها ستمنح الأقاليم استقلالية القرار عن لندن عبر مجالس منتخبة. أيضاً المزيد من الصلاحيات والسلطات لبرلمانات الحكم الذاتي المنتخبة مباشرة في أسكوتلندا، وإمارة ويلز، وآيرلندا الشمالية.
إنجلترا، البلد الأكبر في الاتحاد، والأكثر عدداً (55 مليوناً ونصف المليون من إجمالي 68.5 مليون عدد سكان المملكة) والممول الأكبر للخزانة، ليس لها حكومة مستقلة ينتخبها برلمان إنجليزي، كالبلدان الثلاثة الأخرى.
بعض كبار زعماء العمال السابقين أخبروني أنهم لم يستشاروا أو يشاركوا في رسم الخطة (زعيم سابق كان وزيراً في حكومات توني بلير قال لي إنه غير مهتم بالأمر، وسألني «ما رأيك في خطة الإصلاح؟»، وتعجبت أن يسأل زعيم سياسي الصحافي رأيه بدل العكس). مقترحات العمال أثارت الانتقادات، من الجيل الأكبر، خاصة في مجلس اللوردات (الشيوخ).
فمثلاً هل تحل اللامركزية مفارقة تعرف بـWest Lothian Question؟
وهي دائرة انتخابية في أسكوتلندا، (أو المسألة الإنجليزية)، وهي معضلة التمثيل الديمقراطي: فالنائب الأسكوتلندي، أو الشمال آيرلندي، أو من إمارة ويلز في مجلس العموم في لندن يقرر أموراً وقوانين تتعلق بقضايا في إنجلترا فقط، بينما النائب الإنجليزي غير قادر على التصويت على قضايا في أسكوتلندا أو إمارة ويلز لأن لكل منها برلماناً وحكومة خاصة بها، بعكس إنجلترا.
ستارمر وبراون يدعيان أن «إصلاحاتهما» ستعالج هذه التناقضات المفارقة بتأسيس المجالس والمفوضيات المنتخبة (لكنها ستظل تابعة لوستمنستر)، أي لمزيد من البيروقراطية تكلف الخزانة مليارات إضافية يتحملها دافع الضرائب في وقت يواجه فيه ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدلات التضخم، بينما تتجه الديمقراطيات حول العالم إلى تقليص البيروقراطية وحجم مؤسسات الدولة. وليس هذا فقط ما يثير الانتقادات من المعلقين والساسة، فالأكثر خطورة هو وعد العمال بإلغاء مجلس اللوردات (الشيوخ) واستبداله بمجلس «منتخب» كاملاً، على غرار النظام الأميركي. البعض وصف الإجراءات بأنها «الفصل الثاني من مهزلة التخريبات الدستورية»، التي أطلقها توني بلير قبل أكثر من ربع قرن، واعترف بنفسه قبل عامين أنه أخطأ فيها.
التيار اليساري الاشتراكي المسيطر على العمال، الساعي لزيادة الضرائب وتأميم وسائل الإنتاج والقطاع الخاص، يريد أيضاً «تخريب» المؤسسات الديمقراطية العريقة.
الانتقادات مثلاً من حكماء وعقلاء زعماء العمال السابقين أنفسهم مثل اللورد بيتر ماندلسون، الوزير السابق ومهندس استراتيجية نجاح العمال الكاسح في ثلاثة انتخابات ما بين 1997 و2005. وديفيد بلانكيت (تولى وزارات كالمعارف، والداخلية، والأشغال، والمعاشات والعمل، في ثلاث حكومات عمالية سابقة) - أن التركيز على «إصلاحات دستورية» بإلغاء مجلس الشيوخ هي إضاعة للجهد والوقت والمال وتحويل الأنظار عن مشكلات اقتصادية ومعيشية يعاني منها الشعب. وأضاف بلانكيت بأن تحليل أولويات الناخبين على «عتبة الدار» (أي لقاء الساسة بأبناء الدائرة وجهاً لوجه) بين أن إلغاء مجلس اللوردات أو الإصلاحات الدستورية لا يطرحها الناخب كمطلب.
العمال (واليسار والحركة الجمهورية) يستغلون جهل الأجيال الجديدة بتاريخ التطور الديمقراطي في بريطانيا وأهمية وجود مجلسي البرلمان: النواب المنتخب من 650 دائرة) اللوردات أو الشيوخ لأنه بالتعيين؛ وأقلية بتوارث المنصب لدور حاملي الألقاب في المهام الدستورية، ولأنه الجسر الدستوري الذي يوصل التاج (الملك) كرسي الدولة، والعموم (مجلس الرعية) كممثلي الشعب.
والأجيال الجديدة تخلط بين الديمقراطية (ومفاصلها المختلفة وسلطاتها المنفصلة والمتوازية والمملة لبعضها والضوابط والموازنة - من سلطة تشريعية، وتنفيذية وقضائية، وسلطة رابعة في شكل الصحافة المستقلة) وبين الانتخابات كسلسلة إجرائية تتم مرة كل خمس سنوات، لاختيار الحكومة الجديدة. فهي حلقة واحدة فقط في التركيبة الدستورية المعقدة لبريطانيا، ولأن المجلس غير منتخب فلا يعني أنه «غير ديمقراطي»، فالمجلس الذي انبثق بتقسيم المجلسين في القرن الرابع عشر، واستمر في التطور بعد الحرب الأهلية (1642 - 1651) ومروراً بتأسيس المملكة المتحدة في القرن الثامن عشر، حيث يعين لوردات من أسكوتلندا وويلز وشمال آيرلندا قبل وجود برلمانات وطنية فيها.
مجلس اللوردات مكون مما يقابل «حكماء القبيلة» من شيوخ كساسة سابقين، وخبراء في مجالاتهم (أطباء وعلماء ومخترعين، ورياضيين، ومزارعين، بل وعمال مهرة ومحترفين، وقضاة ومحامين، وضباط جيش)، كلهم من كبار السن، بجانب كبار رجال الدين من مختلف الأديان والعقائد.
مجلس يمثل خبرات الأمة، لأن السياسي المنتخب (معظمهم محامون) دائماً ما يكون ماهراً في المرافعات والمناظرات ولبقاً في إقناع المستمعين (كالناخبين)، لكن تنقصه الخبرة العملية. ولذا عندما يمرر مجلس العموم مشروع قانون، يفحصه مجلس اللوردات، قبل رفعه للملك ليصدق عليه ليعتمد كقانون. ولا توجد مناسبة واحدة لم يجد الخبراء في اللوردات ثغرات في القوانين أو نقاطاً فاتت المشرعين في مجلس العموم، فيعيد اللوردات صياغتها، وتعاد إلى العموم لإعادة النظر فيها وإصلاحها، وتستمر رحلة الذهاب والإياب حتى يصقل مشروع القانون ويرفع للملك لتوقيعه ليدخل حيز التطبيق.
وبعكس مجلس العموم المنتخب، حيث يصوت النواب تبعاً للانتماءات الحزبية لدعم الحكومة أو معارضتها، يصوت اللوردات على مضمون المواد المطروحة نفسها للمصلحة القومية، ودائماً ما يصوت لوردات ضد مشاريع قوانين قدمها (صاحب الفضل) الزعيم الذي نصح القصر بتعينيهم في المجلس.
قوة واستمرارية واستقرار الدستور البريطاني أنه غير مدون في وثيقة واحدة، بل ديناميكي من تراكم قوانين وتقاليد ممارسات وإجرائيات.
ومجلس لوردات مصغر منتخب سيكون على خطوط حزبية لا يلائم الديمقراطية البريطانية. فمجلس الوزراء مكون من نواب منتخبين وليس لجنة تنفيذية من تعيين الرئيس (كحال النظام الجمهوري في فرنسا وأميركا مثلاً)، فماذا لو مجلس الشيوخ أغلبيته محافظون، والعموم أغلبيته عمال، فمن أي المجلسين تتكون الحكومة؟
وحتى إذا استمر الخيار مع «العموم» فكيف ستصدر القوانين إذا كان المجلس الأعلى المنتخب من حزب معارض؟
هناك قول قديم: «ما دام المحرك يعمل، فلا داعي لإصلاحه»، فقد تؤدي المحاولة إلى تخريب غير مقصود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزب العمال البريطاني ومجلس اللوردات حزب العمال البريطاني ومجلس اللوردات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon