توقيت القاهرة المحلي 04:44:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ستارمر والأمن القومي البريطاني

  مصر اليوم -

ستارمر والأمن القومي البريطاني

بقلم - عادل درويش

في الوقت الذي تنخفض فيه شعبية حكومة العمال بزعامة السير كير ستارمر إلى رقم قياسي بدأت تواجه غضب الرأي العام البريطاني واتهامات بالتقصير في الأمن القومي وتعريض استراتيجية الدفاع للخطر بتخليها عن أرخبيل جزر تشاغوس في المحيط الهندي ومنحها إلى موريشيوس بلا طرح الأمر على البرلمان للتصويت.

 

الانتقادات، بخاصة من كبار ضباط الجيش المتقاعدين، وصلت حد اتهام حكومة العمال «بعدم الوطنية» لأنها تضع الآيديولوجيا الاشتراكية قبل المصالح القومية.

ربما الاستثناء صحيفة «الديلي ميرور» العمالية، وبعض المعلقين في منابر اليسار كالـ«بي بي سي»، و«القناة الرابعة»، و«الغارديان» الذين اعتبروا أن التخلي عن جزر بريطانية يطوي صفحة أخرى في سجل تاريخ مستعمرات الإمبراطورية؛ رغم أن الجزر تُعدُّ قانونياً جزءاً من أراضي المملكة المتحدة (الأراضي البريطانية في المحيط الهندي) منذ خريف 1965. أما بقية الوسائل الصحافية والإعلامية فتحولت صفحاتها الأولى إلى انتقادات غاضبة لستارمر وحكومته، واتهامه ليس فقط بالتفريط في السيادة الوطنية، بل أيضاً بالجهل بحقائق الجغرافيا والإثنوغرافيا والتاريخ، ناهيك عن الاستراتيجية الدفاعية.

فبعكس بلدان استعمرتها القوى الأوروبية، لم تكن جزر تشاغوس مأهولة أصلاً بالسكان، حتى وصلها الفرنسيون في 1783 وبدأوا في اجتلاب عمال (معظمهم عبيد من أفريقيا) للعمل حتى تأسست مزارع لإنتاج جوز الهند بشكل تجاري في 1793. وبعد هزيمة نابليون بونابرت (1769 - 1821) ونفيه في 1814 انتقلت سيادة الجزر إلى بريطانيا. وبجانب عدم وجود سكان تاريخياً من موريشيوس في تشاغوس فإنها تبعد أكثر من ألفي كيلومتر عن سواحلها.

المنتقدون أيضاً يخشون من أن التفريط في أراضٍ بريطانية قد يشكل سابقة تحفز بلداناً أخرى على استقطاع المزيد من أراضي المملكة، مثل جزر الفوكلاند البريطانية - التي تطالب بها الأرجنتين - والتي لم يكن بها أي سكان حتى هبط عليها البريطانيون في 1690 بسفينة «ويلفاير» بقيادة القبطان جون سترونغ (1664 - 1693) وأطلق عليها الاسم لأن فيسكونت الفوكلاند أنتوني كيري (1658 - 1694) كان راعي وممول الرحلة الاستكشافية، وخاضت بريطانيا حرباً لتحريرها من احتلال الأرجنتين ثلاثة أشهر في 1982.

كما أن إسبانيا تطالب بجبل طارق، لكنها أراضٍ بريطانية منذ 1713 بمقتضى معاهدة إتريخت في نهاية حروب العرش الإسبانية (1701 - 1714)، تسع سنوات بعد رفع قوات السير جورج رووك (1650 - 1709) العلم البريطاني عليها. وحاول الإسبان الاستيلاء عليها في 1727 وعدة مرات ما بين 1779 و1783. لكن صدتهم الحامية البريطانية بنجاح.

وزراء الخارجية والدفاع السابقون، كبوريس جونسون، وديفيد كاميرون، وجيمس كليفرلي، وغرانت شابس، والخبراء العسكريون يرون أن أرخبيل تشاغوس، مثل جبل طارق، لا ينفصل عن الأمن القومي الاستراتيجي لبريطانيا وحلفائها. وقاعدة جبل طارق كان دورها محورياً في الحروب بخاصة العالمية الثانية.

أكبر جزر تشاغوس، دييغو غارسيا، بها المطار والقاعدة العسكرية البريطانية الأميركية المشتركة لأكثر من نصف قرن.

ومنذ إعلان حكومة العمال البريطانية في 1968 التخلي عن مسؤولياتها شرق السويس والانسحاب كاملاً من الخليج في 1971 لا توجد قواعد عسكرية عليها سيادة بريطانية كاملة سوى المنشآت العسكرية في دييغو غارسيا.

وحاجة بريطانيا أكثر إلحاحاً من حاجة أميركا للقاعدة؛ فبينما لبريطانيا حاملتان فقط والإمكانات محدودة، فلأميركا 11 أسطولاً بحرياً لكل منه حاملة طائرات لإبقاء ما يساوي قاعدة جوية وبحرية دائمة في كل بحار ومحيطات العالم. ومع التهديدات للملاحة سواء من القرصنة من الساحل الأفريقي أو صواريخ الحوثيين ضد السفن، فإن وجود السلاح الجوي الملكي في القاعدة مسألة أمن قومي لبريطانيا وللحلفاء والأصدقاء بخاصة العرب في المنطقة. ورغم أن القاعدة ستبقى باتفاقية لمدة 99 عاماً، فإن التهديد الأكبر يأتي من التقارب بين موريشيوس والصين وهي في حالة حرب باردة مع التحالف الأنغلو - أميركي. فبعد التخلي عن الجزر ومنحها لموريشيوس، فأغلب الاحتمالات أن الصين، التي تتوسع بنفوذها في أفريقيا، ستقدم لحكومة بورتلوي (وهناك علامات استفهام وتقارير سلبية عن حقوق الإنسان ومعاملة المرأة في موريشيوس) عروضاً مغرية لوضع قواعد بحرية وجوية في أكثر من جزيرة، تعرقل أي خطط بريطانية لحماية المصالح شرقاً. التهديد الصيني يقلق واشنطن، ويناقشه المختصون هناك علناً. وبينما تحاول حكومة ستارمر إقناع الرأي العام أن أميركا وافقت على تسليم الجزر البريطانية إلى موريشيوس، نشرت «التايمز» اللندنية أول من أمس، نقلاً عن مصادر أمنية أميركية أن واشنطن قلقة لتوقعها وجوداً عسكرياً صينياً في الجزر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ستارمر والأمن القومي البريطاني ستارمر والأمن القومي البريطاني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon