توقيت القاهرة المحلي 18:44:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استقالة عقل «غوغل» أم استقلاليته؟

  مصر اليوم -

استقالة عقل «غوغل» أم استقلاليته

بقلم - عادل درويش

موضوعنا عالمي، فتفاعل عناصره وجزئياته لا ينحصر في مساحة جغرافية، كما يتجاوز زمنياً الحاضر في تأثيره على الواقع المعاصر إلى الأجيال القادمة بعواقب أعمق وأكثر اتساعاً.

في يوم واحد من الأسبوع الماضي، اليوم العالمي لحرية الصحافة، تداخلت أحداث منفصلة لتغزل منها الظروف التاريخية خيوط نسيج يرسم فوقها صورة قلقة للغد وتحذيرات من المستقبل.

أولها استقالة عالم الكومبيوتر، الكندي البريطاني جيفري هينتون، الأب الروحي للذكاء الصناعي، من مؤسسة «غوغل» مما يمنحه استقلالية لحملة تحذير من خطورة البرامج، التي اخترعها وتلاميذه على الإنسانية، ويعود لمهنته «الكوغنيتية» كـCognitive Psychologist (معالج لحالات كإصابة الدماغ وفقدان الذاكرة بسيكولوجيا المعرفة) –مثلما قال لـ«نيويورك تايمز»- وكانت أساسية في تطوير برامج الذكاء الصناعي بدراسته للعقل الإنساني.

في اليوم نفسه تناقصت في بورصات العالم أسعار أسهم شركات تكنولوجيا التعليم والخدمات الإلكترونية للمدارس، بمعدل النصف، وأشهرها «تشيغ» الأميركية، التي كانت قد تأسست كشركة محدودة في 2005 وطرحت أسهمها في البورصات 2013.

تصادف مع ذلك دعوة لجنة برلمانية في مجلس العموم مفوضية الاحتكارات البريطانية إلى التحقيق في نشاط المؤسسات الكبرى كـ«غوغل»، و«مايكروسوفت»، و«أبل»، وكيفية توظيفها للذكاء الصناعي بطريقة تؤدي في النهاية إلى احتكار تكنولوجيا المعلومات مما يهدد اقتصاديات شركات التكنولوجيا الإلكترونية البريطانية الأصغر بالإفلاس. وتطالب اللجنة بضرورة بحث تعديل القوانين واللوائح الحالية، أو صياغة قوانين جديدة يسنها البرلمان لحماية المستهلك من تناقص الخيارات في حالة القضاء على المنافسة بإفلاس الخدمات المستقلة.

مفوضية الاتحاد الأوروبي تُعِد أيضاً لوائح وقوانين جديدة بشأن حقوق ملكية التأليف والنشر للكتاب والفنانين والمبدعين عند استخدام أوعية وبرامج الذكاء الصناعي أجزاء مما نشروه أو من أعمالهم المسجلة كمصدر. السبب أنه بخلاف دوائر المعارف التي تذكر المصادر، فإن أكثرية تقارير أنتجتها الأوعية المعرفية (اجتهاد ترجمة Chatbots) بتكنولوجيا الذكاء الصناعي، غير دقيقة في ذكرها النادر للمصادر.

تصادفت هذه الأحداث مع إضراب واحتجاجات اتحاد الكتاب الأميركي، وهو الأول منذ خمسة عشر عاماً لكتاب سيناريوهات الأفلام والمسلسلات سواء في هوليوود وسان فرنسيسكو على الساحل الغربي أم نيويورك وبوسطن على الساحل الشرقي، ليس فقط من أجل الأجور مع شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني بل لأسباب متعددة.

أحد أهم أسباب الإضراب؛ كيف يحمون حرفتهم من برامج الذكاء الصناعي، خصوصاً التجاء كثير من شركات الإنتاج إلى هذه البرامج والخدمات لصياغة سيناريوهات وإحداث تمثيليات بالاقتباس (تعبير مهذب للسرقة الأدبية) من أعمال جاهزة وتجاهل المؤلفين؛ وهو العامل المشترك بين الأحداث التي ذكرناها.

فانهيار أسهم «تشيغ»، مثلاً، سببه فقدان نصف أهم مصدر للدخل، إذ ألغى كثير من التلاميذ الاشتراك، وكانوا قد فاقوا ثلاثة ملايين من طلاب ومعلمين ومكتبات مدرسية في نهاية 2020، لكنهم يفضلون اليوم خدمات مجانية أو شبه مجانية تعتمد الذكاء الصناعي كـ«غوغل» و«تشاتبوت جي بي»، لمساعدتهم في صياغة التقارير وإكمال الواجبات المدرسية.

هذه الأرقام تفسّر تحرك الاتحاد الأوروبي، ومفوضية الاحتكارات البريطانية لكبح جماح الذكاء الصناعي، وحتى الآن يقارب عدد الخدمات أو Apps الذكاء الصناعي الستين، ويُتوقع أن يتضاعف كل ثلاثة أشهر، الأفضل بينها نحو 35 (إحصائيات مؤسسات متخصصة مثل «كومبيتا»، ومجلة «فوربس»، و«سيمبليليرن») تتقاضى اشتراكات لكن انتشارها سيخفّض ثمن الاشتراك. وأحد أهم أسباب استقالة هينتون، الأب الروحي للذكاء الصناعي، ويُعرف أيضاً بـ«عقل غوغل»، كان قلقه من سرعة انتشار الـAPPS أو التطبيقات المصمَّمة بقدرة أوعية الذكاء الصناعي على إعادة برمجة نفسها لتخترع برامج وتطبيقات جديدة، فهينتون اختصاصي السيكولوجية الكوغنيتية (التحليل النفسي المعرفي، Cognitive Psychology)، كفرع من فلسفة الطب الأكاديمي المنبثق عن الأبستمولوجيا (نظرية المعرفة)، يدرس عملية البرمجة الداخلية كنشاط للعقل الإنساني. فلنبسّط تصورنا للمخ الإنساني ككومبيوتر بيولوجي ترتبط خلاياه بأعصاب (كأسلاك) تنقل إشارتها الكهربية المعلومات، وكأي جهاز كومبيوتر سيحتاج الدماغ الإنساني إلى نظام تشغيل مثل «ويندوز». المقابل الإنساني في الكوغنية هو العقل mind، تعمل داخله برامج فرعية كلٌّ في تخصصه، مثل «وورد» أو «أكسل» داخل «ويندوز»؛ فالمعرفة المكتسبة، كاستخدام العمليات الحسابية، وتوظيف مفردات اللغة لبرمجة الاستطلاع الذهني، والانتباه، وتطبيقات المنطق، عملية mental process أي البرمجة التحتية للعقل في تخصص هينتون. ولفهم مدى قلقه من الضرورة تَتَبّع كيف وصل فلاسفة المعرفة لابتكار «الكوغنية» cognition ككلمة تعني برمجة العقل ذاتياً؛ في القرن السادس عشر بتركيب كلمتين من فعلين باللاتينية (لغة الدراسة وقتها) من co (يضم أو يشارك) إضافةً إلى gno (يعلم) فتصبح cogno «يجتهد للتعرف على».

وإلى جانب استبدال الذكاء الصناعي بهم لكتابة السيناريو، ما يقلق الكتاب الأميركيين إنتاج نسخة فنية من مسخ الدكتور فرانكشتاين، بتجميع أشلاء مبتورة من أعمالهم الأصلية، بتطوير الذكاء الصناعي برمجة ذاتية بتعلم كوغينيتة الذهن الإنساني، وهو ما يربط قلق هينتون باليوم العالمي لحرية الصحافة. فهناك شبه إجماع بين الكتاب والمبدعين والفنانين على إرجاع إفساد إنتاجهم الفكري إلى سوء فهم أو عدم دراية بالصورة الكاملة للعمل الفني أو الكتاب مثلاً، لدى العاملين في جهاز «الكنترول والتنسيق الفني» (تسمية «شيك» من الحكومات للرقابة على النشر والمصنفات الفنية) الذي وضع العمل المشوه على الشاشة أو أرسله إلى المطبعة. وإذا كان العنصر الإنساني تعذَّر عليه استيعاب الصورة الكاملة لما أعمل فيه مقص الكنترول فهل يمكن تصور عالم، ومونتير الفيلم، أو مترجم الرواية، أو سكرتير تحرير مطبوعة أو دار نشر، أو محرر نشرة الأخبار، مجرد تطبيق ذكاء صناعيّ ذاتيّ البرمجة نقل شذرات من الإنتاج البشري وتجاهل خبرة وروح وأحاسيس مؤلفيه الأصليين؟

ورغم التحذيرات وقلق الساسة المنتخبين ديمقراطياً أو المسؤولين في مثيلات المفوضية الأوروبية، فلا نعرف كيف يمكنهم حماية الإنسان من وحش فرانكشتاين القرن الـ21 الذي يبرمج نفسه بأسرع من إصدار قوانين مشكوك في تطبيقها عملياً.

فهل يقدم هينتون، كمستقل عن سطوة إمبراطورية وادي السيليكون، الأمل بقيادته جماعة فرسان الإنقاذ لتصميم دروع الحماية من أسلحة شاركوا في إنتاجها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استقالة عقل «غوغل» أم استقلاليته استقالة عقل «غوغل» أم استقلاليته



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon