توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مؤتمرات المناخ بين النظرية والتطبيق

  مصر اليوم -

مؤتمرات المناخ بين النظرية والتطبيق

بقلم - عادل درويش

بانتهاء مؤتمر المناخ السابع والعشرين (كوب27) في شرم الشيخ، والخلافات المعتادة حول البيان النهائي، أود سرد بعض ملاحظات من متابعاتي منذ أول المؤتمرات في برلين الموحدة حديثاً في 1995، وكان وليد مؤتمر الأرض في 1992 في البرازيل برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة 172 من أمم العالم، مثلها 108 رؤساء دول، و2400 مندوب، وأكثر من عشرة آلاف صحافي بجانب سبعة عشر ألفاً من المنظمات غير الحكومية.
العدد ارتفع في شرم الشيخ إلى أكثر من ثلاثة وثلاثين ألف مشارك، وأكثر من مائة زعيم دولة جاءوا ليلقوا محاضرات عن التقليل من النشاط الإنساني، الذي يستخدم محروقات تضيف عوادم الكربون إلى الهواء، مثل الطائرات التي وصل بها معظمهم لتسهم محركاتها النفاثة بمئات الآلاف من أطنان محروقات الكربون.
في المؤتمرات ذات النوايا النبيلة تجد المفارقات التي قد تؤثر سلباً على النتائج المرغوبة.
القول الإنجليزي «الغناء من نوتة الموشح (hymn) نفسه»، يعني عدم تناقض أهداف كل الأطراف المشارك مع غاية المؤتمر ككل.
فعدم إدراك تناقضات النوايا الحسنة مع المصالح الاقتصادية والواقع اليومي للأفراد والمجتمعات، أحياناً ما يؤدي إلى سياسات جذبت تصفيق المؤتمر العالمي لكن نتائجها معاكسة للأهداف المعلنة.
منها مثلاً سياسات تتخذها الحكومات نتيجة الضغوط الآيديولوجية، كفرض رسوم البيئة على السيارات والشاحنات، فيبحث سائقوها عن طرق فرعية لتجنب دفع الرسوم ما يطيل فترة تشغيل المحرك ويزيد من تلوث الجو، وتتعرض الطرق الجانبية لضغوط أدت لشروخ مواسير المياه وضياع ملايين من اللترات ما أضر بالبيئة.
ما غاية مؤتمر تكرر سبعاً وعشرين مرة حول العالم؟
ما «المشكلة» التي تحتاج حلاً؟
هناك فارق بين «ظاهرة» طبيعية وبين «مشكلة» باستطاعة الإنسان حلها.
لا شك أن قصور التعامل مع نتائج الظاهرة يخلق مشاكل تتطلب المعالجة، لكنها لن تمنع الظاهرة نفسها من الاستمرار والتكرر.
ما أقصده أن التغير المناخي، مستمر لملايين السنين وتسبب في انفصال القارات واختفاء كائنات كالديناصورات، قبل أن يمشي الإنسان على ظهر الأرض، والادعاء بأن الإنسان وحده (رغم تلويثه للبيئة)، في قرنين، هو فقط المسؤول عن التغير المناخي، هو هوس آيديولوجي لن يساعد العالم على التوصل لأساليب لمعالجة نتائج الظاهرة الطبيعية.
ومن المفارقات أيضاً الخلاف حول مطالبة الدول النامية البلدان الغربية بدفع تعويضات بمبالغ فلكية، عما تعتقد أنه أضرار لحقت بها نتيجة ما سكبته الدول الصناعية المتقدمة (المقصود أوروبا الغربية فقط - ثم أميركا في القرن العشرين) من كربون وعادم محروقات منذ الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر.
ما قد يعرقل التعاون الدولي هو ازدواجية المعايير وتغليب الآيديولوجية الماركسية اللون على المنطق والواقع، من جانب تيارات اليسار البيئي التي تتجاهل النشاط الصناعي للصين وفيها 3037 محطة طاقة بالفحم (مقابل 163 محطة غاز) وفي عام 2020 أنشأت ثلاثة أضعاف بلدان العالم كله من هذه المحطات، أو الهند التي أنشأت 285 محطة طاقة بالفحم (مقابل 61 محطة بالغاز)... الحجة التي تسوقها الحملة الراديكالية البيئية أن بلداناً كالصين والهند والبرازيل فاتها قطار الثورة الصناعية بأكثر من قرن ونصف، وأنها كانت «مستعمرات» أوروبية، وبالتالي لا بد من إعطائها فرصة للحاق بركب التصنيع. هنا يظهر التناقض مع الادعاء أن العالم يواجه حالة طوارئ بيئية، لأن الطوارئ كالحريق مثلاً أو تسرب غاز سام لا تحتمل التأجيل.
وهناك شكوك حول غياب احتجاجات الخضر ومعارضي الطاقة الكربونية، من أمام سفارات الهند والصين أو حتى محاولة الضغط عليها للتخلي عن المحروقات بأن الحملة وراءها مستفيدون من تمويل مصدره ضرائب خضراء (بيئية)، تفرضها الحكومات الغربية المنتخبة ديمقراطياً بضغوط الرأي العام، لأنهم يدركون أن حكومات بلدان كالهند والصين لن تفرض مثل هذه الضرائب لدعم مشروعات (يصفها المنتقدون «بالفيل الأبيض») تملأ جيوب المستثمرين فيها. وحتى الآن لم يتوازن كشف حساب تكلفة (مدعومة من الضريبة الخضراء) ما يسمى الطاقة الخضراء مع ما توفره بالفعل – أي يبقى توليد الطاقة من الغاز أقل تكلفة منها.
البلدان المطالبة بتعويضات عن أضرار البيئة، كلها تقريباً استفادت من تأسيس بنية تحتية كموانئ وكَبَارٍ، وسكة حديدية، وقنوات، ومصانع، ومدن بأكملها - في القرنين التاسع عشر والعشرين بفضل الصناعات الأوروبية.
على سبيل المثال لا الحصر، سكة شرق أفريقيا الحديدية، التي أنشأتها شركة شرق أفريقيا لتربط أوغندا وكينيا بالمحيط الهندي بدأت في 1890 وربطت كامبالا في أوغندا بمومباسا، وشاطئ بحيرة فيكتوريا بموانئ المحيط الهندي.
أما سكة الهند الحديدية فقد بدأت في 1853 بين مومباي والسند، ثم توسعت لتصل قرابة ثمانية وستين ألف كيلومتر، معظم بنيتها وآلاتها والقطارات والوقود من تصنيع بريطانيا وبلدان أوروبية، ثم الهند نفسها في العقود الأخيرة.
أما السكة الحديدية المصرية فقد بدأت في عهد محمد علي باشا (1769 - 1849 وفترة حكمه 1804 - 1848) باستيراد القضبان والمعدات في 1820 من بريطانيا، وبدأ إنشاء المحطات والكباري في ثلاثينات وأربعينات القرن التاسع عشر، إلى جانب تحديث وتصنيع موانئ الإسكندرية والسويس، توسعت السكة الحديدية في عهد الخديوي إسماعيل باشا (1830 - 1895) ما بين 1863 و1879 لتصل إلى أكثر من ألف وتسعمائة كيلومتر، وتم حفر 112 قناة وترعة بطول 13500 كيلومتر واستصلاح أكثر من ثلاثة أرباع مليون فدان والتوسع في الموانئ والمنارات وحفر قناة السويس.
هذه المشاريع على سبيل المثال لا الحصر التي بنت الاقتصاد الحديث في مصر والهند وبقية أفريقيا والصين، كلها بآلات وأدوات وإنشاءات ومحركات صنعت في بريطانيا وبلدان أوروبا الصناعية، وبالطبع استوردت المصانع والمنشآت والموانئ في مصر وبقية أفريقيا وآسيا الفحم وآلات ومعدات التصنيع من أوروبا، بسفن شحن استخدمت الوقود الكربوني (الفحم ثم البترول) بجانب عوادم التصنيع الأصلية، وعوادم النقل الداخلي وتركيبها. كيف إذن تحسب هذه البلدان نصيبها من المساهمة بضخ عوادم المحروقات والكربون في الجو لتأسيس بنيتها التحتية وتطورها الاقتصادي في مائتي عام؟
حسابات وملاحظات ربما تساعد القارئ على التفكير في تناقضات ومفارقات تبقي المؤتمرات العالمية حدثاً سنوياً يناقش النظرية وانتظار خطوات واقعية تدخل حيز التطبيق لحل ما يتصوره كثيرون مشكلة يشك آخرون في وجودها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمرات المناخ بين النظرية والتطبيق مؤتمرات المناخ بين النظرية والتطبيق



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon