توقيت القاهرة المحلي 20:16:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الزعيم البريطاني ووهم السياسة الخضراء

  مصر اليوم -

الزعيم البريطاني ووهم السياسة الخضراء

بقلم - عادل درويش

أخيراً، استبدل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بقبعة التكنوقراطي، قبعة زعيم يرفع راية الأغلبية الصامتة الذين تتجاهلهم النخبة الليبرالية المسيطرة على مؤسسات صناعة الرأي.

إعلان رئيس حكومة المحافظين الأربعاء الماضي، تعديل خطط الحكومات الأربع المتعاقبة حسب قانون التغيير المناخي - جاء لصالح طبقات الدخل المحدود لإنهاء الضرائب والرسوم التي فرضتها خطط القانون الذي أصدرته آخر حكومة عمالية في 2008.

في أهم إجراء منذ دخوله رقم 10 دوانينغ ستريت قبل أحد عشر شهراً، اتخذ سوناك خطوة لم يجرؤ عليها سابقوه الأربعة؛ ليس بتوجهه إلى عقول وقلوب الناخبين فحسب، بل أيضاً بوضع فاصل واضح بين سياسة حزبه المحافظ وسياسة المعارضة العمالية (وحلفائها كالديمقراطيين الأحرار والقوميين الأسكوتلنديين).

خاطب العقول - التي تضع العلامة على البطاقة الانتخابية بحسابات المصالح الاقتصادية والخدمات والنقود اللازمة لدفع المصروفات الأساسية - بذكره الحقائق والأرقام عن التكلفة الحقيقية للسياسة الخضراء، لإنهاء عوادم المحروقات بمعادلة الصفر البيئي (التي لا يفهمها غالبية الناخبين حسب الاستطلاعات)، والتي تتحملها الطبقات الأفقر في المجتمع. أعلن سوناك قراره بتأجيل حظر بيع السيارات والشاحنات بمحركات الاحتراق الداخلي لخمسة أعوام (من 2030 إلى 2035)، وجعل عدة التزامات أخرى اختيارية لا إجبارية.

خاطب القلوب بكشف التضليل الذي مارسته المؤسسات الصحافية وشبكات البث الكبرى (التي تستحوذ على أكثر من ثلاثة أرباع أرقام المشاهدين والمستمعين والقراء - وتقع تحت سيطرة اليسار الليبرالي المهووس آيديولوجياً بقضايا البيئة)، مما منحه مصداقية وقبولاً شعبياً لدى أغلبية لا تثق في هذه الوسائل الصحافية أصلاً. كما أعلن إلغاء الالتزامات الإجبارية التي فرضتها سياسة التوصل إلى معادلة الصفر، ومنها: تغيير غلايات التدفئة المنزلية بالغاز والزيت إلى أخرى كهربائية بالهواء الساخن، وإلزام ملاك عقارات الإسكان بإجراء تعديلات وتحديثات تتكلف مصاريف باهظة كشرط لاستصدار شهادة خضراء للسماح بتأجيرها. وقال سوناك إن الأمر سيكون متروكاً لقرار الناس اختيارياً عندما يوازنون بين العائد من تغيير الأدوات المنزلية والسيارات، وأنماط الاستهلاك، وبين التكلفة الاقتصادية لهذا التغيير فيختارون الوقت المناسب. والإنجليز قوم يفضلون الحكومة التي تعاملهم كبالغين كبار تترك لهم حرية الاختيار على الحكومة التي تتدخل في شؤون حياتهم وتفرض عليهم سياسات إجبارية.

في استطلاع للرأي بعد خطاب سوناك، قال أكثر من خمسين في المائة من الناخبين إنهم مغتبطون من تغييرات سوناك، مقابل 23 في المائة فقط غير موافقين على ما وصفته الصحافة اليسارية بـ«التراجع في التزامات البيئة».

مقابلة مذيع شهير من محطة راديو «بي بي سي» السياسية مع رئيس الحكومة سوناك صباح الخميس، كانت بمثابة عدسة مكبرة كشفت الهوة التي تفصل بين مؤسسة صناعة الرأي العام بحملتها المهووسة بالتغيير المناخي، وبقية الشعب، عندما عكس الزعيم البريطاني الهجوم، إذ كان مسلحاً بالأرقام والحقائق، والمذيع يحاول إيقاعه بمراوغة كلامية وشعارات آيديولوجية عن البيئة. فمثلاً أوضح سوناك أن تكلفة استبدال غلاية التدفئة التقليدية من الغاز إلى الكهرباء، تتراوح بين 13 ألفاً و17 ألف دولار؛ والاعتماد كلية على توربينات توليد الطاقة من الرياح والاستغناء عن الغاز والبترول من الحقول البريطانية، يعني بطالة آلاف العاملين البريطانيين، لأن أجزاء التوربينات تصنع في الصين التي تستخدم الفحم والمحروقات في إنتاجها. أوضح أيضاً ما لم تذكره «بي بي سي» وأخواتها أن كندا وأميركا وبلدان أوروبا؛ وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، أجلت حظر إنتاج سيارات محركات الاحتراق الداخلي إلى 2035 قبل بريطانيا، وأن بريطانيا في الأعوام العشرين الأخيرة سبقت بلدان أوروبا وكندا وأميركا في تخفيض إنتاج عادم المحروقات إلى نحو سبعين في المائة مما كان عليه، بينما البلدان الأخرى تتراوح ما بين ثلاثين وخمسين في المائة.

سوناك شرح أيضاً سياسة إلغاء إلزام أصحاب العقارات الإسكانية (الذين تشيطنهم الصحافة اليسارية) بإنفاق آلاف الجنيهات على «الإصلاحات الخضراء»، لأنها تضر بالمستأجرين، فصاحب العقار إما يضطر إلى تعويض ما أنفقه برفع إيجار المسكن، أو لا يعرض المسكن للإيجار أو يبيع العقار، مما يؤدي إلى نقص العدد المعروض من المساكن، ونقص العرض مع زيادة الطلب يعني أيضاً رفع سعر الإيجار. مع ذكر سوناك أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لعرضها، كلها يطيب لها إسماع الطبقات الأقل حظاً في المجتمع والمتضررين من السياسة الخضراء.

المنتفعون من تطبيقات مشروعات الطاقة الخضراء (الممولة من ضرائب الفقراء والرسوم الإضافية على فواتير الطاقة) والتزامات يفرضها قانون التغير المناخي لعام 2008، يلوحون باللجوء للقضاء لمنع تطبيق إجراءات سوناك الإصلاحية على السياسة، بحجة أنها تخرق القانون. الوسائل الصحافية الليبرالية واليسارية تقارن المنازلة السياسية المتوقعة بالمعركة حول «بريكست»، عندما فصلت المحكمتان العليا والسامية، وأغلب قضاتهما من الليبراليين، في القضايا لصالح البقائيين في الاتحاد الأوروبي.

سوناك، في هذه الحالة غالباً سيواجه التحديات من تيارات المنتفعين من السياسة الخضراء ومن المهووسين بها آيديولوجياً في المحكمة. وحتى إذا خسرت حكومته القضايا، فيمكنه التوجه مباشرة إلى الشعب بخوض الانتخابات المقبلة على هذه التذكرة، فلا سلطان فوق إرادة الشعب في صناديق الاقتراع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزعيم البريطاني ووهم السياسة الخضراء الزعيم البريطاني ووهم السياسة الخضراء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon