توقيت القاهرة المحلي 13:51:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخاطبة الرأي العام

  مصر اليوم -

مخاطبة الرأي العام

بقلم - عادل درويش

قبل أسبوعين تناولنا مسألة «التلاعب بسيكولوجية الجماهير» 13 أغسطس (آب) عبر أدوات تشكيل الرأي العام من صحافة ومنصات التعبير ووسائل نقل الأخبار.

المدرسة الصحافية الكلاسيكية لا تعترف بادعاءات مثل «مسؤولية الصحافة في المجتمع»، ليس فقط لتناقض الشعارات لمفهوم السلطة الرابعة كضرورة ديمقراطية، بل أيضاً تجعل من الصحافي متطفلاً لأن تدريب الأفراد على السلوك النموذجي في المجتمع، من مهام مؤسسات كالمدرسة، والأسرة. ومهمتنا كصحافيين نعمل في خدمة القارئ أو المتفرج، تقتصر على الاستقصاء للتوصل إلى المعلومة لنقل الخبر بتعريف أستاذ الصحافة اللورد نورثكليف (1865-1922): «الخبر هو معلومة تريد جهات ما منع نشرها ـ والباقي إعلانات».

بالنسبة إلى «التلاعب بالرأي العام،» يعود الأمر، في اعتقادي، إلى التسرع ونقص التدريب الصحافي والتساهل المهني أكثر منها «مؤامرة» أو «خطة مقصودة»، وربما يفوت كثير من الصحافيين من الأجيال الشابة أن ترك معلومات أساسية، من القصة الصحافية أو الفيديو المبث، هو انحياز أو عدم حيادية يفقد العمل مصداقيته لدى المتلقي، خاصة عندما يقنع الصحافي نفسه بفكرة أو قضية يعدُّها هدفاً سامياً، وغاية نبيلة. ففكرة «الخير» و«الشر» تتحول في كثير من الأحوال وتحت ضغوط العقائد إلى ما يمكن، تعريفه مجازاً «بالتحليل» و«التحريم». ورغم ترديد المؤسسات التي تشكل الرأي العام شعارات كحرية التعبير، ورفض الرقابة بكل أشكالها، فإن ترسيخ مفاهيم «التحليل» و«التحريم» في لاوعي محرري نشرات الأخبار والقصص المبثة، قد لا يؤدي إلى رقابة على النشر بالمعنى التقليدي، لكنه سيؤدي دوماً إلى الانتقائية التي تحرم القارئ أو المتفرج من تفاصيل بالغة الأهمية، وتفقد المنبر الصحافي مصداقيته لدى الجمهور.

فمثلاً تغطية مؤسسات صحافية كبرى لأخبار معينة تكاد تكون من زاوية واحدة تتجاهل الأبعاد والتعقيدات الأخرى. وعندما تكتسب هذه المؤسسات، خاصة العريقة، سمعة «كالليبرالية»، و«التقدمية» (أي اليسار الراديكالي)، تتحول في الفكر الجمعي للمحررين والمسؤولين فيها إلى عقيدة راسخة، تبرر لهم «تحليل» انتقائيتها وإقصائها لأي معلومات يقدمها خبراء لهم أبحاث أو يطرحون أسئلة قد تلقي بالشك على الرواية أو الإجماع المشترك (يعرف أيضاً في لغة الصحافة بالأرثوذوكسية السائدة) التي تمكنت من العقل الجمعي (وانتقلت إلى العقل الباطن للصحافيين) باعتبارها «الخير»، فيصبح بالضرورة كل ما يناقضها أو يشكك في صحتها «الشر»؛ ومن ثم تبرر ذهنية «تحليل» رواية الخير عملية «تحريم» بث أو تضمن معلومات «الشر».

أقدم وأشهر مؤسسة إذاعة وبث مرئي، وتطورت إلى دار صحافة كبرى بمواقعها على الإنترنت، هي الـ«بي بي سي»، دخلت في دوامة خلاف حول حرية المعلومات مع أكثر من جهة بعد تسرب مراسلات عن محضر اجتماع (ترفض نشر نصه) قبل عقد يوجه الصحافيين ومحرري النشرات إلى ما يشبه الإيمان العقائدي بخوض حملة «التسخين الحراري» أو «التغير المناخي» بالتركيز على دور الإنسان، والتقليل (الذي تطور إلى تجاهل) العوامل الأخرى الطبيعية في معظمها، التي كانت وراء التغير المناخي لكوكب الأرض منذ ملايين السنين. بل إن الهيئة العريقة وصحف اليسار تسمي أي علماء أو باحثين ينشرون نتائج تلقي بالشك على ادعاء مسؤولية النشاط الإنساني وحده عن التسخين الحراري بأنهم «ناكرين لوجود الظاهرة»؛ وهو تعبير من العصور الوسطى الكهنوتية بقصد شيطنة ما يروجون «لإنكار وجود»، ما عدَّه المجتمع مقدساً، لتبرير إقصائهم «وتحريم» مساهمتهم في الرسالة الموجهة إلى الرأي العام.

أحد أهم القضايا التي تتناولها صحافة بريطانيا اليوم هي فرض عمدة لندن ضريبة تساوي 16 دولاراً إضافية يومياً على سائقي سيارات يزيد عمرها علي سبع سنوات، في ضواحي العاصمة، رغم رفض أغلبية السكان، ومعارضة زعامة حزب العمال الذي ينتمي إليه العمدة. العمدة يسمي الإتاوة «رسوم الهواء النظيف» وباستثناء شبكات أقلية من المشاهدين مثل «جي بي نيوز» مثلاً، فتغطية المؤسسات الصحافية الكبرى كـ«بي بي سي»، و«سكاي»، والصحف الليبرالية، تتجاهل ما تسرب عن محاولة مكتب عمدة لندن الضغط على جامعة إمبريال كوليدج العريقة لتغيير نتائج بحث أجرته بتكليف وتمويل العمدة نفسه، اتضح منه أن «رسوم الهواء النظيف»، التي فرضها عمدة لندن السابق بوريس جونسون في وسط المدينة لم يكن لها أثر يذكر في تنقية الهواء. وربما تمركز مفهوم تحريم ما يناقض إيمانهم «بالخير» يمنعهم، لا شعورياً، من طرح أسئلة يرددها الناس العاديون: كالمكسب المادي من تحصيل الرسوم؛ أو التسمية المضللة، «منطقة الهواء النظيف»، فالقادر مادياً يمكنه إدارة محرك يلوث الهواء بلا انقطاع.

الخطورة أنه مع تزايد اعتماد صناعة الصحافة على الذكاء الاصطناعي قد تتسلل مفاهيم «التحليل» و«التحريم» السائدة اليوم إلى نظام برمجة بمثابة دستور مقدس لا يمكن لصحافة المستقبل الخروج عن نصوصه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطبة الرأي العام مخاطبة الرأي العام



GMT 08:09 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

بديع المقرئين

GMT 08:07 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

كيف تميزت السعودية سياسياً؟

GMT 08:05 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

GMT 08:03 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

أوروبا والألسنة الحداد

GMT 08:00 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

الرياض عاصمة العالم... مرة أخرى

GMT 07:49 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مصادر الطاقة والأمن القومي البريطاني

GMT 07:43 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مقام الكرد

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon