توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المثقف المحلي والثقافات الأخرى

  مصر اليوم -

المثقف المحلي والثقافات الأخرى

بقلم: عادل درويش

استكمالاً لمناقشة الصحافة في زمن الحرب، وتحديات انتقاء المفردات اللغوية الملائمة، هناك تحدٍ آخر يواجه المثقفين من أدباء، وكتاب، وأكاديميين، وأحياناً نجوم الفن (ولا أقصد المعلقين الصحافيين المحترفين) الذين تستدعيهم شبكات التلفزيون الأوروبية، والبريطانية والأميركية، للظهور في نشرات أخبار ممتدة، أو برامج، تتابع الأحداث المأسوية للصراع الدائر الآن في المنطقة. معدو البرامج والنشرات يستضيفون هؤلاء المثقفين (وصفتهم بالمثقفين لما تضيفه عليهم صحافة بلادهم من مكانة كمفكرين ووجهاء مجتمعاتهم) لإضافة أبعاد من تخصصاتهم، في التاريخ أو الجغرافيا أو العلوم الاجتماعية، أو من أعمالهم الأدبية والفنية، والنظر إلى هذا الصراع التاريخي التراجيدي من زوايا مجهولة لا يعرفها المذيعون، ناهيك عن المتفرجين في البلدان البعيدة جغرافياً وثقافياً عن هذا الصراع.

ولا أقصد أشخاصاً، بل ملاحظات على مداخلات مثقفين من مصر والشمال الأفريقي، والخليج، مع شبكات عالمية، مع إخفاق الكثيرين في إيصال ما يقصدون إلى جمهور من ثقافة مختلفة بلغة غير العربية (ملاحظاتي طوال الأسبوع من شبكات باللغة الإنجليزية).

البعض لا يجيد الإنجليزية، والبعض أجادها، وربما أتقنها كتابة في الفصل الدراسي في بلده أو أثناء دراسته العليا المؤقتة في أوروبا، لكنهم ليسوا على دراية كافية بثقافة مجتمعات المتفرجين في استخدامهم للاستعارة والكناية والتشبيه، بلغة أجنبية عن لغته (العربية) الأصلية.

الملاحظ أن بعض المثقفين، عندما انتشرت مقاطع من مداخلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي في بلدانهم (بترجمة عربية)، لاقت التأييد وإعادة المشاركة والتهليل، من حشود «فيسبوك»، لأن رسالتها شابهت ما هتفت به المظاهرات الحماسية في شوارع مدنهم؛ في المقابل كان وقعها على المتفرج في أوروبا (وأعتقد في كثير من بلدان العالم)، مختلفاً، وغير مؤثر، وربما عكس المقصود، بل وأحياناً السخرية من المداخلة. ولم يكن اختلاف اللغة أو الثقافة السبب، بل النقص الكبير أحياناً في المعلومات المعرفية للمثقف المشارك، بخاصة عن الجغرافيا، أو توظيفه (لأسباب شتى) مفردات خاطئة في علوم السياسة، والقانون الدولي، وبقية العالم؛ أي استخدام مصطلحات لا يعرفها المتفرج فلم تعنِ له شيئاً، بينما تطرب أسماع متفرجي بلاده. أيضاً، عند استشهادهم بأحداث ووقائع من التاريخ أو تفسيرها، ينحشرون في زاوية ضيقة من سياق أو سرد، ما تعلموا في المدارس بمنهج محدد، وكبقية المعلومات المعرفية لكثير من المثقفين، بلغة واحدة فقط، هي لغة بلاده، وحتى عند الاطلاع على سرد آخر على دراسات أكاديميين ومؤرخين، من أوروبا، أو أميركا، أو بلدان أخرى، فليست باللغة الأصلية، إذا كانت الدراسة من جامعات عالمية في آسيا، وأوروبا وأميركا، بل مترجمة إلى العربية.

وفي بحثي للمقارنة، وجدت أن الترجمة في معظمها غير دقيقة - إذ تبدل وتحور ما يمس ما يسميه الناشرون «الخصوصيات الثقافية للمجتمع»، فيجتهد المترجم «لتنقية» النص مما يتناقض مع معتقداته الوطنية أو الدينية أو الآيديولوجية، أو حتى الاجتماعية، ولا يضع المترجم إشارة أو جملة اعتراضية تشرح للقارئ أنه لم يلتزم بدقة النص الأصلي.

مثلاً أتابع مجموعة «واتساب» يديرها أكاديمي مصري بهدف تقديم الكتب الجديدة ونشر الثقافة، لكنها توسعت ما وراء الحدود المصرية فتضمنت أفريقيين آخرين وعرباً ومشاركين من بقية قارات الدنيا. ورغم أن توصيف المجموعة لا يشترط الاقتصار على اللغة العربية للمشاركة، فإن الاقتراحات النادرة، التي قدمت كتباً بلغات أخرى، قوبلت من عدد معتبر بغضب شديد، واتهامهم أصحاب الاقتراح «بالعمالة» للاستعمار الغربي المسؤول عن «ضياع فلسطين»، لتوصيتهم قراءة الكتب باللغة الأصلية. الملاحظ أن أكثر المهاجمين ضراوة يسبق اسمهم «د.» (يفترض حملة الدكتوراه)، هاجموا بقسوة أوروبيين دراسين لأدب وثقافة وتاريخ بلدان المنطقة، واتهموهم بعدم احترام اللغة العربية والعرب ولغة دينهم الإسلامي، عندما اضطروا إلى المشاركة في مرات قليلة بجمل بسيطة بلغات أوروبية (لغياب الحروف العربية على أجهزتهم)، علماً بأنهم يشيرون إلى كتب بلغات أوروبية أصلاً، أي تهم فقط من سيقرأ الكتاب بغير العربية.

هل يمكن لمثقف ألا يعرف، لغة أو أكثر من اللغات العالمية، حتى لا يبقى معزولاً عن كنوز الأدب العالمي، والثقافة والفنون والإبداعات وأحدث الكتب والدراسات، بخاصة مع تحديات عدم دقة الترجمة إلى لغته في معظم الحالات؟

في جامعة الإسكندرية قبل أكثر من ستة عقود حضرنا مناقشة رسالة دكتوراه عن صراع القوى البحرية العالمية الكبرى في المحيط الهندي وبحر العرب والخليج والتي أدت إلى معاهدة الساحل المتصالح (المعاهدة البحرية العامة للسلام) في 1820 بين الإمارات وبريطانيا. في الحفل الذي أعقب المناقشة، قال رئيس لجنة المناقشة إن الرسالة تستحق درجة الامتياز، لكنه خفضها لاحتمال عدم دقة الترجمة إلى الفرنسية لأن الباحث لم يقرأ وثائق البحرية البرتغالية بلغتها الأصلية في لشبونة، «لافتقاره للإمكانات المالية لإطالة فترة الدراسة لتعلم اللغة البرتغالية». ورداً على سؤال «والشاب الفقير ذنبه إيه يا بروفسور؟»، قال الأستاذ الأكاديمي الكبير «مالوش ذنب، لكن العلم ذنبه إيه؟».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف المحلي والثقافات الأخرى المثقف المحلي والثقافات الأخرى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon