بقلم - عادل درويش
عودة المصطلح للظهور في عصر ما بعد انحسار الماركسية، تثير التعجب، لأن المتهم بالهجمة على الطبقات العاملة اليوم هو اليسار التقدمي؛ إذ أصبح الفكر الاشتراكي، من مكونات الذهنية الليبرالية، التي كانت تتناقض تاريخيا مع الماركسية.
حزب العمال البريطاني يفترض تمثيله للطبقات العاملة منذ تأسيسه في 1900 من اندماج تيارات مثلت العاملين في مناطق وسط إنجلترا الصناعية كجمعيات عمالية وحركات اشتراكية تأسست ما بين 1881 و1893.
ولا تزال الحركات النقابية، العمود الفقري للعمال وتساهم في تمويله؛ ولذلك فالخلاف العلني بين اتحاد عمال الغاز البريطاني وزعيم الحزب، السير كيير ستارمر، يثير التعجب، بعد اتهامه بالانحياز ضد الطبقات العاملة بينما يقود حزبا اشتراكيا.
زعيم العمال ليس كقائد أي حزب آخر، فهو أيضا «زعيم معارضة جلالة الملك»، و«رئيس حكومة الظل»، الذي يمثل بديلا قد يضعه الشعب في داوننغ ستريت صبيحة الانتخابات القادمة فتصبح خططه المعلنة اليوم السياسة الرسمية للبلاد في غضون 18 شهرا.
اتحاد عمال الغاز، واحد من خمس نقابات كبرى مولت حزب العمال، بثلاثة ملايين و140 ألف جنيه في الربع الأول من هذا العام (أي 17 مليون دولار في العام) غاضب من الحزب وسيخفض تمويله من مليون ومائتي ألف جنيه إلى 150 ألف جنيه فقط بعد إعلان ستارمر خططه بحظر التنقيب عن البترول والغاز في بحر الشمال في حال وصوله للحكم. أعضاء الاتحاد يتجاوزون 560 ألفا يعملون مباشرة في حقول غاز وبترول بحر الشمال وصناعات وخدمات مرتبطة ومكملة للقطاع.
ستارمر ملتزم بإنهاء الاعتماد على المحروقات الكربونية بحلول 2030، ويعد باستثمار 35 بليون دولار سنويا لعشر سنوات في مشروعات طاقة خضراء تخلق فرص عمل بديلة عن وظائف تفقد بإنهاء استخراج البترول والغاز من بحر الشمال. سياسة المحافظين، (حزب الأثرياء والرأسمالية «المستغلة» في فلكلور اليسار) تبدو أقرب إلى مطالب الاتحادات العمالية، من الحزب الذي يفترض أنه يمثلهم؛ فبجانب تأجيل المحافظين لإنهاء الاعتماد على الكربون إلى 2035، يعدون باستمرار استخراج الغاز والبترول في بريطانيا، للمحافظة على وظائف العاملين، ولتقليل الاعتماد على المستورد.
عمال الغاز اتهموا ستارمر «بعدم إدراك دور المحروقات في الاقتصاد»؛ ففرص العمل الجديدة التي يقترحها لن توظف العاملين نفسهم المسرحين من حقول الغاز، في حالة وصول العمال للحكم. وخطة الاستثمار الخضراء التي يعدون بها لخلق وظائف جديدة لن تبدأ إلا بعد عامين من انتخابهم، أي في 2027 ولا يتضح مصدر الـ350 بليون دولار لتمويلها. العاملون في القطاع يتهمون زعامة حزب العمال بمحاولة كسب أصوات أبناء الطبقة المتوسطة المهووسة بالبيئة على حساب الطبقة العاملة.
إيقاف التنقيب عن آبار جديدة سيضطر بريطانيا إلى استيراد 80 في المائة من حاجتها للغاز و70 في المائة من حاجتها للبترول في عام 2030. (حاليا تستورد 60 في المائة من حاجتها للغاز و25 في المائة من البترول). وبجانب فقدان الوظائف والتكاليف المادية فإن استيراد الوقود يعني مزيدا من عادم محروقات محركات الناقلات. جانب من الاتحادات العمالية يرى حركات الاحتجاج البيئية المختلفة، بمثابة عودة للصراع الطبقي الذي يهدد أرزاقهم؛ فأحزاب اليسار، كالخضر والديمقراطيين الأحرار والعمال، يستجيبون لمطالب جماعات كـ«ستوب أويل» (أوقفوا استخدام البترول)، ما يعني زيادة استيراد الوقود. «ستوب أويـل» مكروهة من الطبقات العاملة، إذ تتعمد احتجاجاتهم تعطيل المرور وتحطيم مضخات الوقود في محطات البنزين، وتعطيل مهرجانات الرياضة الشعبية. كما ينتقد اتحاد عمال الغاز نشطاء الحركة من أبناء الأثرياء والشرائح الاجتماعية العليا، بأن لديهم الوقت والإمكانيات للتفرغ للاحتجاجات، التي تضر بأرزاق بسطاء عمال يتقاضون أجورا بسيطة بالساعة. كما تزايدت اشتباكات سائقي الشاحنات، وعمال توصيل الخدمات بالأيدي مع محتجي البيئة في شوارع المدن البريطانية. المعلقون يحذرون من انفلات أمني بسبب تساهل البوليس مع المحتجين. ممثلو جمعيات كسائقي الشاحنات، كرروا الشكوى من أنها «حرب طبقية يشنها أبناء الأثرياء على الفئات العاملة والفقيرة»، بإغلاق الطرق، ومنعهم من كسب الرزق. ومن ضمن مطالب حركات مثل «ستوب أويل» و«إكسنشيون ريبليون» (تمرد الفناء) فرض ضرائب باهظة علي تذاكر السفر بالطائرات. وبدورها ستقضي على ظاهرة budget airlines أو رحلات الطيران الزهيدة الأسعار، التي جعلت قضاء الإجازات في مناطق كانت يوما حكرا على الأثرياء في متناول الطبقات العاملة والفقراء.
مجموعة ستوب أويل يمولها مليونير وصف بأنه «مهووس عقائديا بأن التغير المناخي من صنع الإنسان الأبيض». دايل فينس، الذي تبرع للحملة الانتخابية لحزب العمال بمليون وتسعمائة ألف دولار يمتلك مؤسسة إيكوتريسيتي، التي جعلته مليونيرا من خلال تزويد أكثر من 117 ألف مشترك بالاستثمار في الطاقة الخضراء. مشروع حزب العمال، للمستقبل الأخضر، سيدعم شركات مثل إيكوتريسيتي من الخزينة العامة، التي يشكك ممثلو النقابات العمالية في جدواها الاقتصادية، فهي «كفيل أبيض» يتنزه بين أنقاض الصناعات التي توفر اليوم العيش للطبقة العاملة.