توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لائحة مارثا واستراتيجية صوفي

  مصر اليوم -

لائحة مارثا واستراتيجية صوفي

بقلم - عادل درويش

في اختياري للموضوع، تذكرت مشهداً تكرر في الأفلام المصرية (الأبيض والأسود) عقب الحرب العالمية الثانية، وكانت من كبريات صناعة السينما في العالم آنذاك: الطبيب بوجه يعبر عن حكمة المسؤول عن سلامة الإنسان وحياته، والبالطو الأبيض، والسماعة الطبية حول عنقه، يحاول طمأنة والد، أو ابنة المريض في حالة الخطر، بنبرات صوت تختلط فيه مشاعر الرعاية والحنان والثقة، بالجدية اللازمة لتجنب إضاءة مصباح آمال النجاة من الخطر مبكراً عن الواقع العلمي. العبارة التي أصبحت «كليشيه» السيناريو باللغة المصرية الدارجة: «عشان التأكد هنعمل كونصولتو»، أي استشارة مجموعة أطباء من خارج المستشفى الذي يجري فيه العلاج.

«لائحة مارثا»، و«استراتيجية صوفي»، حملتان تحركهما وسائل صناعة الرأي العام، وجمعيات خيرية، وأسر فقدت أعزاء لديها؛ معظمهم أطفال، وعرائض تجمع مئات آلاف التوقيعات أثارت مشاعر وأقلام عدد من نواب برلمان وستمنستر، لصياغة مشروع قانون لتعديل اللوائح الطبية لإجبار مستشفيات بريطانيا والخدمات الصحية في بلدان من «العالم الأول» على «كونصولتو» شخصية الطبيب الحكيم (اللغة اليومية المصرية كثيراً ما تستعمل «الحكيم» لوصف الطبيب) موضع التطبيق ثمانون عاماً بعد أن خلدتها السينما المصرية في ذاكرة كل مشاهد قضى ساعات صعبة في المستشفيات للاطمئنان على عزيز، أو فقده للمرض.

مارثا ميللر، ابنة الثالثة عشر ربيعاً ماتت قبل عامين في مستشفى كينغز كوليدج بلندن بعد إصابتها بنوع من العدوى البكتيرية صعبة العلاج، التي تعرف طبياً بـ«السيبسيز» أو نوع من تسمم الدم والأنسجة. وكمعظم الأمراض والحالات المستعصية فإن التشخيص المبكر، ونقل المريض إلى العناية المركزة، يعطي الأطباء فرصة أفضل في وصف المضادات الحيوية الملائمة، وجسم المريض فرصة أكبر لمقاومة المرض.

ورغم تدهور صحة الفتاة، تجاهلت هيئة التمريض إلحاح الوالدين بإعادة النظر في التشخيص الأولي بأنها عدوى بسيطة لا تدعو للقلق وأن الأدوية التي تتناولها كافية.

مما زاد الأمر سوءاً أن مارثا كانت في المستشفى وقت عطلة قومية لثلاثة أيام متتالية، كان فيها كبار المتخصصين في إجازة أيضاً. ورغم اعتذار إدارة المستشفى، وإجراء تحقيق، لا توجد بالفعل لائحة تجبر المستشفيات على التنازل عن «عناد» الأطباء بأنهم يدركون مصلحة وسلامة المريض أكثر منه ومن أسرته، كي يرضخوا لطلبهم أو يقبلوا بحكمة «الكونصولتو» باستشارة متخصصين من مستشفى آخر. ولذلك يطالب مشروع «لائحة مارثا» بإلزام المستشفيات باستشارة المتخصصين المستقلين عند الشك في دقة التشخيص الأولي مع إخضاع هيئة الرعاية الصحية المعنية للمساءلة بجناية الإهمال عند مخالفة اللائحة.

حالة صوفي فايرول، التي ماتت في العاشرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، تشابه حالة مارثا في أن حالتي الوفاة كان يمكن تجنبهما بالتشخيص الدقيق المبكر، وباستشارة طبية ثانية. صوفي، رغم تكرار عرض الأم ابنتها على عيادة الممارس العام، بأعراض حادة، فإن الأطباء لم يأخذوا الأمر بالجدية الملائمة وقللوا من شأن النزيف كأعراض بلوغ مبكر. وعندما كشفت أشعة الرنين المغناطيسي وجود ورم سرطاني يعرف بالرابيدوميسكوروما، أخفق الطبيب في اكتشافه ـ كان وصل إلى مرحلة تعذر علاجه. الصغيرة صوفي واجهت المرض بشجاعة لعام كامل وألحت على الأسرة والأصدقاء القيام بحملة للتشخيص المبكر لسرطان الأطفال، في نداء حرك مشاعر الآلاف (غلبت الدموع بعض مذيعي التلفزيون الرجال؛ وهو أمر نادر الحدوث عند الإنجليز المعروفين ببرود الأعصاب). إحصاءات قدمتها كارولين نينانج، نائبة الدائرة التي تقيم فيها أسرة صوفي، عن المحافظين، والتي قادت الحملة مع توقيع العرائض مع عدد آخر من النواب، بأن حالات السرطان المتعددة أكبر سبب لوفاة الأطفال دون سن الرابعة عشرة. في العام الماضي، تم تشخيص 10470 طفلاً دون الرابعة عشرة بالسرطان، و5480 مراهقاً (بين الرابعة عشرة والتاسعة عشرة)، بزيادة تقارب واحداً في المائة بالعام منذ 1975.

النائبة قدمت لوزارة الصحة مشروع صياغة «استراتيجية صوفي»، لوضع تفاصيل خطة عشر سنوات مخصصة للتشخيص المبكر للأنواع المتعددة لسرطان الأطفال، مع تفاصيل الميزانية لضمان التمويل.

تسمية القوانين بأسماء أشخاص تعود إلى عصور القوانين الرومانية، مثل غايوس كانيوليوس؛ الذي قدم في 445 قبل الميلاد قانوناً يسمح بزواج الأرستقراطيين من طبقة العامة؛ وكانت دائماً قوانين تسمى باسم ساسة عملوا على إصدارها، لكن القوانين بأسماء أناس عاديين حديثة نسبياً كتسمية قانون باسم ضحية نتيجة ثغرات قانونية. ومنها مثلاً «قانون ناتشا» الصادر قبل سبعة أعوام بإلزام خدمات الطعام بوضع قائمة المكونات التي تحتوي مواد تثير الحساسية بعد موت ناتاشا إيدنان - لابييروز في رحلة طيران نتيجة حساسية الطعام.

ومثل «لائحة مارثا»، و«استراتيجية صوفي»؛ تسمية مشروعات هذه القوانين واللوائح بأسماء أشخاص حقيقيين، خصوصاً الأطفال، الذين حركت مأساتهم مشاعر الرأي العام، تحظى بتأييد شعبي وبين النشطاء السياسيين والوسائل الصحافية، مما يسبب ضغوطاً تجبر الساسة ونواب البرلمان على تجاوز الخلافات الحزبية فتتعاون الحكومة والمعارضة لإصدار القوانين. لكن لا تزال نظرة الأطباء إلى المرضى، خصوصاً من الطبقات الاجتماعية الأقل حظاً في المجتمع، استعلائية ترفض قبول فكرة إخضاعهم لاستشارة ثانية؛ وهي ثقافة مهنية تحتاج أكثر من مجرد لوائح وقوانين لتغيرها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لائحة مارثا واستراتيجية صوفي لائحة مارثا واستراتيجية صوفي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon