توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنها الدولة الوطنية الثانية

  مصر اليوم -

إنها الدولة الوطنية الثانية

بقلم: د. آمال موسى

اخترنا وصف ما يتداول حالياً من إعادة بعث الدولة الوطنية، إذا جاز لنا ذلك، بالأنموذج الثاني منها، وذلك نسخاً على ما تُعرف به الجمهوريات من أولى وثانية وثالثة باعتبار أن هذا التمييز «الرياضياتي» لا يخلو من معانٍ، إضافة إلى ما يشير إليه من فصل قائم على مستندات قوية ومبررة.
فكما نصف ونحن نستعرض تاريخ الجمهورية الأولى ثم الثانية، نفترض أننا نستطيع أن نتبع المنوال نفسه ونتحدث في سياق الفضاء العربي الإسلامي، وتحديداً الدول التي تبنت منذ استقلالها النظام الجمهوري بأنها في الوقت الراهن بصدد الانتقال كفكرة وواقع إلى النسخة الثانية من الدول الوطنية سميناها: الدولة الوطنية الثانية.
من المواضيع التي قفزت سريعاً إلى دائرة الاهتمام وفرضت الخوض فيها، هو أن جائحة فيروس «كورونا» أعادت الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية القومية ووظائفها. واللافت أن هذه العودة سُجلت في مرحلة تاريخية كانت في أوج نعي الدولة الوطنية بشكل عام والتسويق لخطاب جديد يروج بدوره لمفهوم جديد للدولة، وخاصة تحديد بشكل مختلف لوظائفها التي شهدت مراجعة كبيرة. وبقدر ما عمل الخطاب السياسي الاقتصادي العام والعالمي قبل جائحة فيروس «كورونا» إلى إعلاء شأن الشركات المتعددة الجنسيات والتكتلات والاتحادات مثل الاتحاد الأوروبي مثلاً، فإن هذا الإعلاء لدور المكونات الفاعلة في الاقتصاد العالمي والقرارات السياسية الإقليمية والدولية كان على حساب مفهوم الدولة وسيادتها.
قبل جائحة «كورونا» كانت الدولة الوطنية على شفا حفرة من التذويب الكامل لعضلاتها، ورأينا في أكثر من مكان في العالم غلق المؤسسات العمومية وتراجع حجم العمومي وقوته أمام القطاع الخاص، حتى أنه بسط هيمنته على أشد القطاعات حساسية وارتباطاً بحياة الناس، مثل قطاعي الصحة والتعليم.
هبّت رياح الجائحة فإذا بالدولة ومهما كانت فقيرة أو غنية هي المسؤولة عن صحة الناس، وهي المنقذة وهي المدعوة أولاً إلى خوض الحرب ضد الجائحة. وهنا نلحظ أن اللاوعي العالمي لم يتخلص كما كنا نعتقد من المفهوم الهيقلي البونابرتي للدولة.
إذن التجربة أنصفت الدولة الوطنية وأعادت لها الاعتبار، وأذعنت الشعوب لتوصيات أجهزة الدولة وأوامرها.
وأمام هذه الملاحظة، حيث سجل الجميع تقريباً عودة الروح لقيمة الدولة ووظيفتها واسترجاعها علويتها، ظهرت في بلداننا خاصة مخاوف من فقدان المكاسب الحقوقية والحرياتية التي اكتسبتها شعوبنا عبر الأجيال وغير مستعدة للتفريط فيها.
هنا نتساءل: هل أن استرجاع الدولة الوطنية لوظيفتها وتدارك أمر التفريط في العمومي ورفض تسليم رقابنا للخواص المستثمرين، يعني استرجاع نفس ملامح الدولة الوطنية في الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى التسعينات؟
في الحقيقة مثل هذه المخاوف تبدو لي ضعيفة الأساس، فالتاريخ لا يمشي إلى الوراء، بل إلى الأمام، كما أن هناك طرفاً أساسياً ومهماً في معادلة علاقة الدولة – الشعب، وهو هذا الأخير بات يختلف عما كان عليه في النصف الثاني من القرن الماضي. فالدولة الوطنية التي مارست الحكم المطلق والديكتاتورية وضيقت الخناق على الحريات لها في رصيدها الكثير من الإيجابيات ذات المنحى الاجتماعي، فنسب الأمية تراجعت عما كانت عليه قبل الاستقلال، والصحة باتت أولوية وقطعت خطوات في مجال التحديث والتنمية والتحضر. كما تتالى ظهور جيلين كان ثمرة مجهودات التعليم الأمر الذي أنتج شعوباً ذات خصائص مختلفة وتنامت مظاهر الفردانية وأصبحنا نستطيع الحديث عن فاعل اجتماعي في مجتمعاتنا. فصوت الفرد وإرادته باتا أكثر قوة وفعلانية في العلاقة بالمؤسسات بما فيها السياسية.
لذلك فإن منوال الدولة الوطنية لما قبل نصف قرن لم يعد صالحاً، خصوصاً أنه لم يكن بالمنوال الذي يجب أن تكون عليه الدولة الوطنية، حيث تعلق المنوال المذكور بشوائب الحكم القاهر للفرد، فكان مزيجاً غير متجانس بين تمثل الحكم في الفضاء العربي الإسلامي القديم وتمثل الحكم في الفضاء الحداثي الديمقراطي الليبرالي.
أما اليوم وبعد هبوب رياح الإصلاح والثورات على علاتها ونقائصها واكتساح المجتمع المدني لمساحة قوية في الذود عن الحريات، وبعد تغير الإنسان العربي والمسلم وارتفاع منسوب الاحتجاج وتطور أشكاله وممارسته... فإن الدولة الوطنية لا تستطيع إلا التطبع بما عرفته شعوبنا من تغييرات.
نحن اليوم في مرحلة انتقالية مهمة، ونظن أن مدى استيعاب النخب السياسية الحاكمة للتحولات هو الذي سيجعل من العملية الانتقالية يسيرة ومنتجة ومتعاونة، وذلك عن طريق التخفيض أكثر ما يمكن من الصراعية في علاقة الدول بالشعوب والترفيع في إمكانات التعاون في هذه العلاقة. وإذا تم النجاح في فهم التغييرات والتقاطها وهضمها فإن بلداننا ستكسب من جهة استعادة الأدوار الاجتماعية للدولة وكتابة بنود العلاقة التعاقدية وفق مضمون يوفر الوظيفة وهيبة الدولة، بمعنى هيبة القانون والتشريعات، ومن جهة ثانية فتح الفضاء الاجتماعي العام للفاعلين الاجتماعيين للفعل العقلاني وللإبداع، باعتبار أن الفاعل الاجتماعي هو محور الدولة الوطنية وقلبها النابض والضامن لوجودها. فالفاعل الاجتماعي هو الذي خلق الدولة وليس العكس.
لذلك؛ فإن المطلوب التفكير في صيغ تعاقدية بين الدولة الوطنية، كما يجب أن تكون والشعب الذي أصبح أكثر تعلقاً بأفراده وحريته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها الدولة الوطنية الثانية إنها الدولة الوطنية الثانية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon