توقيت القاهرة المحلي 15:26:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإبداع السياسي

  مصر اليوم -

الإبداع السياسي

بقلم -آمال موسى

هناك طريقة في التفكير السياسي لم نمارسها بعد في الفضاء العربي: ماذا لو نقارب الفعل السياسي بوصفه إبداعاً وموهبة تشترط مهارة خاصة جداً. إننا في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه المقاربة؛ لأن جوهر الأزمة العربية اليوم سياسي وإن كان يُعبر عنه بتمظهرات أخرى. ولا ننسى أن السياسة برامج وأفكار ومشروع، وكيف نكون أفضل وأعلى كرامة مادياً وحقوقياً يمثل السؤال الأكبر في المشروع.

فاليوم نعرف ركوداً وحالة من التكلس في الحلول السياسية، وقلما نسمع عن فكرة مبهرة أو مشروع يعد بشكل حقيقي بالتطور والتقدم. بمعنى آخر، فإنه هناك ما يمكن أن نصفه بالفقر وقلة الإبداع السياسي.

كل مجالات الفعل الاجتماعي لا يمكن أن تزهر وتثمر إلا بالإبداع. وكل المنجز الإنساني هو نتاج الإبداع ولا شيء غيره. بالنسبة إلى كيفية تمثل المجتمعات العربية للإبداع، فهو أضيق من حقيقته الشاسعة: ينحصر الإبداع لدينا في الأدب والموسيقى والرسم، وغير ذلك من الفنون. في حين أن هذه الحقول الإبداعية، التي تندرج ضمن ما يسمى الثقافة العالمية ليست كل الإبداع. قد تكون الحقول المذكورة هي الأقرب إلى النفس والوجدان والذوق، لكن كل فعل اجتماعي، من المفروض أن يعكس القدرة على الإبداع؛ لأن الفرد وحده يستطيع الإبداع، ووحده يمتلك باقة مما يسميه ماكس فيبر المعاني الذاتية.

طبعاً الإبداع ليس في متناول الجميع. وليس بالنبتة التي يمكن أن تنمو في أي أرض مهما كانت بوراً وعطشى. مع العلم، أن الإبداع بالمعنى الفسيح وغير الصارم يعد شرطاً من شروط حياة أي فرد ومجتمع. ففي حياتنا اليومية نمارس الإبداع يومياً دون أن نشعر: نجتهد من أجل إيجاد الحلول للمشكلات السهلة والتافهة، والأخرى الكبيرة والصعبة.

إذن الإبداع هو في شكل من أشكاله تقديم إجابة ما وتذليل لمشكل معين. وهنا نتساءل عن مدى قدرة النخب السياسية الحاكمة في البلدان العربية على ممارسة الحد الأدنى من الحلول الحقيقية لا الوهمية. فرجل السياسة الحقيقي هو من يقترح الحلول ويتميز بجرأة التنفيذ والإقدام. فنحن جميعاً ودون استثناء نمنحه ذلك الكرسي وتلك الامتيازات لأنه أقدر منا على إيجاد الحلول ومعالجة الأزمات الحاصلة. لا معنى لأي حقيبة وزارية خارج هذا التصور للإبداع السياسي.

ولا نظن أن الإبداع الذي نرنو إليه هو ذاك الذي لا يتعدى الرهان على الضرائب والنجاح في التحصل على قروض مرتفعة الفائدة لتمكين المواطنين من أجورهم. فهذا فقر مدقع في الإبداع السياسي.

المفروض أن كل من يقبل بمنصب رفيع في الدولة أن يكون صريحاً في مدى قدرته على الإبداع السياسي من عدمها؛ وذلك كي لا يسارع فيما بعد إلى تبني خطاب عدم امتلاك العصا السحرية. ومن لا يمتلك هذه العصا فليعرف حق قدره وينسحب من النخبة الحاكمة.

لا شك في أن الأوضاع الاقتصادية والمالية صعبة اليوم في غالبية الدول العربية، وأن هذه الأوضاع هي ليست فقط نتاج ثغرات ومشكلات تنموية داخلية، بل هي أيضا نتيجة ما تعصف بالاقتصاد العالمي من مشكلات وتغييرات نحن لم نتأقلم ونتكيف معها بعد. لكن هذه الصعوبة ذاتها هي التي تفرض عدم القبول إلا بقامات سياسية قادرة على الإبداع السياسي والاقتصادي. فالمرحلة مرحلة مبدعين وأذكياء وعقول خارقة للعادة، وليست مرحلة عادية ومستقرة وسهلة.

غير أن الإبداع المقصود هو ما يطال مجال التنمية والاستثمار وخلق الثروة والاجتهاد في تحقيق تراكمها وفي عقد صفقات استثنائية، وفي توفير مناخ جيد للعمل والاستثمار، وفي القضاء على البيروقراطية التي لا تزال تعرقل حياتنا اليومية والحلول القادرة على معالجة مشكلات القطاع الخاص والأفراد الراغبين في تقرير مصيرهم الاقتصادي، بعيداً عن الوظيفة العمومية ذات الأبواب المغلقة.

الإبداع هو أن تتحول اقتصاديات البلدان العربية إلى خلية نحل... أما الإسراع نحو الحلول السهلة والوقتية المتمثلة في طلب قروض كما يحصل في بعض الدول ففي نظري هو أشبه بمن يعالج مرضاً عضالاً بحبة أسبرين.

صحيح أن السياسة هي فن الممكن، لكنها أيضاً إبداع الحالمين بمجتمعات أفضل. ذلك أن السائس هو الذي يقدم الحل، وليس دوره تقديم مشكلات مؤجلة في شكل حلول.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإبداع السياسي الإبداع السياسي



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
  مصر اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
  مصر اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 05:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة
  مصر اليوم - بوريل يعترف بعجز الاتحاد الأوروبي عن بناء بنية أمنية جديدة

GMT 05:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 12:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد
  مصر اليوم - نانسي عجرم تشوق جمهورها لعمل فني جديد

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات
  مصر اليوم - غوغل تكشف عن خدمة جديدة لإنتاج الفيديوهات للمؤسسات

GMT 19:53 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سقوط طائرة في كولومبيا ومقتل 7 من ركابها

GMT 17:57 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

شبح مورينيو يعود للظهور في مانشستر يونايتد

GMT 08:54 2019 الأحد ,10 شباط / فبراير

الأهلي يكشف أسباب أزمة المؤجلات

GMT 14:16 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

أداما تراوري يُبرز جدية ليونيل ميسي في التدريبات

GMT 09:59 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

طليق رانيا يوسف يوجّه رسالة لها بعد أزمة فستانها الفاضح

GMT 03:08 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد عبد الحفيظ يُعلن عن صفقات الأهلي الجديدة خلال أيام

GMT 04:18 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تامر حسني يُرزق بطفله الثالث ويكشف عن اسمه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon