توقيت القاهرة المحلي 20:52:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإبداع السياسي

  مصر اليوم -

الإبداع السياسي

بقلم -آمال موسى

هناك طريقة في التفكير السياسي لم نمارسها بعد في الفضاء العربي: ماذا لو نقارب الفعل السياسي بوصفه إبداعاً وموهبة تشترط مهارة خاصة جداً. إننا في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه المقاربة؛ لأن جوهر الأزمة العربية اليوم سياسي وإن كان يُعبر عنه بتمظهرات أخرى. ولا ننسى أن السياسة برامج وأفكار ومشروع، وكيف نكون أفضل وأعلى كرامة مادياً وحقوقياً يمثل السؤال الأكبر في المشروع.

فاليوم نعرف ركوداً وحالة من التكلس في الحلول السياسية، وقلما نسمع عن فكرة مبهرة أو مشروع يعد بشكل حقيقي بالتطور والتقدم. بمعنى آخر، فإنه هناك ما يمكن أن نصفه بالفقر وقلة الإبداع السياسي.

كل مجالات الفعل الاجتماعي لا يمكن أن تزهر وتثمر إلا بالإبداع. وكل المنجز الإنساني هو نتاج الإبداع ولا شيء غيره. بالنسبة إلى كيفية تمثل المجتمعات العربية للإبداع، فهو أضيق من حقيقته الشاسعة: ينحصر الإبداع لدينا في الأدب والموسيقى والرسم، وغير ذلك من الفنون. في حين أن هذه الحقول الإبداعية، التي تندرج ضمن ما يسمى الثقافة العالمية ليست كل الإبداع. قد تكون الحقول المذكورة هي الأقرب إلى النفس والوجدان والذوق، لكن كل فعل اجتماعي، من المفروض أن يعكس القدرة على الإبداع؛ لأن الفرد وحده يستطيع الإبداع، ووحده يمتلك باقة مما يسميه ماكس فيبر المعاني الذاتية.

طبعاً الإبداع ليس في متناول الجميع. وليس بالنبتة التي يمكن أن تنمو في أي أرض مهما كانت بوراً وعطشى. مع العلم، أن الإبداع بالمعنى الفسيح وغير الصارم يعد شرطاً من شروط حياة أي فرد ومجتمع. ففي حياتنا اليومية نمارس الإبداع يومياً دون أن نشعر: نجتهد من أجل إيجاد الحلول للمشكلات السهلة والتافهة، والأخرى الكبيرة والصعبة.

إذن الإبداع هو في شكل من أشكاله تقديم إجابة ما وتذليل لمشكل معين. وهنا نتساءل عن مدى قدرة النخب السياسية الحاكمة في البلدان العربية على ممارسة الحد الأدنى من الحلول الحقيقية لا الوهمية. فرجل السياسة الحقيقي هو من يقترح الحلول ويتميز بجرأة التنفيذ والإقدام. فنحن جميعاً ودون استثناء نمنحه ذلك الكرسي وتلك الامتيازات لأنه أقدر منا على إيجاد الحلول ومعالجة الأزمات الحاصلة. لا معنى لأي حقيبة وزارية خارج هذا التصور للإبداع السياسي.

ولا نظن أن الإبداع الذي نرنو إليه هو ذاك الذي لا يتعدى الرهان على الضرائب والنجاح في التحصل على قروض مرتفعة الفائدة لتمكين المواطنين من أجورهم. فهذا فقر مدقع في الإبداع السياسي.

المفروض أن كل من يقبل بمنصب رفيع في الدولة أن يكون صريحاً في مدى قدرته على الإبداع السياسي من عدمها؛ وذلك كي لا يسارع فيما بعد إلى تبني خطاب عدم امتلاك العصا السحرية. ومن لا يمتلك هذه العصا فليعرف حق قدره وينسحب من النخبة الحاكمة.

لا شك في أن الأوضاع الاقتصادية والمالية صعبة اليوم في غالبية الدول العربية، وأن هذه الأوضاع هي ليست فقط نتاج ثغرات ومشكلات تنموية داخلية، بل هي أيضا نتيجة ما تعصف بالاقتصاد العالمي من مشكلات وتغييرات نحن لم نتأقلم ونتكيف معها بعد. لكن هذه الصعوبة ذاتها هي التي تفرض عدم القبول إلا بقامات سياسية قادرة على الإبداع السياسي والاقتصادي. فالمرحلة مرحلة مبدعين وأذكياء وعقول خارقة للعادة، وليست مرحلة عادية ومستقرة وسهلة.

غير أن الإبداع المقصود هو ما يطال مجال التنمية والاستثمار وخلق الثروة والاجتهاد في تحقيق تراكمها وفي عقد صفقات استثنائية، وفي توفير مناخ جيد للعمل والاستثمار، وفي القضاء على البيروقراطية التي لا تزال تعرقل حياتنا اليومية والحلول القادرة على معالجة مشكلات القطاع الخاص والأفراد الراغبين في تقرير مصيرهم الاقتصادي، بعيداً عن الوظيفة العمومية ذات الأبواب المغلقة.

الإبداع هو أن تتحول اقتصاديات البلدان العربية إلى خلية نحل... أما الإسراع نحو الحلول السهلة والوقتية المتمثلة في طلب قروض كما يحصل في بعض الدول ففي نظري هو أشبه بمن يعالج مرضاً عضالاً بحبة أسبرين.

صحيح أن السياسة هي فن الممكن، لكنها أيضاً إبداع الحالمين بمجتمعات أفضل. ذلك أن السائس هو الذي يقدم الحل، وليس دوره تقديم مشكلات مؤجلة في شكل حلول.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإبداع السياسي الإبداع السياسي



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon