توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفشل بوصفه طريقاً للنجاح

  مصر اليوم -

الفشل بوصفه طريقاً للنجاح

بقلم - آمال موسى

لا شك في أن بريق فكرة النجاح يظل الأكثر توهجاً، وأنه هاجس الجميع من دون استثناء. ولكن مع ذلك فإن العلاقة الصحية بالنجاح هي التي تمنح النجاح قيمته. لذلك فإن الكيفية التي تبني بها رمزياً المجتمعات مسألة النجاح مهمة جداً وهي مرآة لفهم تمثلات النجاح وسيرورته أيضاً.

طبعاً فكرة النجاح كمثل أفكار وقيم عدة تستمد جزءاً من معناها من المعنى المضاد لها، ونقصد فكرة الفشل على الأقل وفق الثقافة الشائعة والمتداولة، حيث إن اعتبار الفشل نقيض النجاح هو جوهر الفرق بين مجتمعات متصالحة مع الفشل وترى أنه أب للنجاح وأحد أقربائه، ومجتمعات ترى فيه عدواً للنجاح ولا صلة بينهما، وتقسم الأشخاص بين ناجح وفاشل.

فنحن أمة نهجو الفشل ولم نرتب العلاقة بعد بين الفشل والنجاح. وهو ترتيب مهم لأننا عندما نقوم به بشكل صحي ومتوازن فإننا نحمي الذات العربية من هذا الهجاء السري الموروث ثقافياً. ذلك أن نظرتنا للفشل في الدراسة تحتاج إلى التعديل، وعليها نقيس مجالات أخرى يعرف فيها الفرد الفشل. ولا يخفى كيف تتمثل الأسرة العربية فشل الطفل في الدراسة حيث تعتبر الرسوب في سنة دراسية كارثة ومأساة كبرى، في حين أن الرسوب هو حدث عارض، وقد يكون إيجابياً جداً وفرصة للتلميذ حتى يعيش تجربة خاصة تغير من سلوكه، وأيضاً تمنحه فرصة تلقي نفس المضامين التربوية سنة أخرى، مما يرفع من مهاراته. المشكل اليوم هو أننا نضع أمام أطفالنا طريقاً واحدة للنجاح، وننسى الإنصات إلى مهاراتهم المختلفة واستعداداتهم المختلفة. فالطفل يفشل لأنه غير مرتاح فيما يقوم به، ويمكن أن يكون هائل النجاح إذا ما فسحنا له مجال الاختيار. بل إننا مع الأسف حتى الذي ينجح بملاحظة متوسط أصبحنا نعتبره فاشلاً بشكل أو بآخر. وكم من عبقري عاش تجربة الرسوب مراراً وظل في الدراسة سنوات أكثر مما نعتبره عادياً وأثبت نجاحاً! وهناك من بينهم مَن هم من المشاهير ويؤثرون اليوم في الرأي العام. وكثيرة اليوم هي قصص نجاح الناس الذين اختاروا طريقاً للنجاح غير الذي فرضته التمثلات الاجتماعية.

من المهم أن نغير تعاملنا مع حدث الفشل الدراسي والتمييز بين عطب عابر وتوصيف الشخص بالفشل الذي لا يخلو من تعسف وتصنيف غير موضوعي، إضافة إلى ما تنطوي عليه النظرة المعيارية من إحباط والإصابة بعقدة الفشل.

إذن المدرسة تسهم في تحديد جزء وافر من معنى النجاح والفشل، وهي مساهمة مبالغ فيها ونتج عنها إهمال لعناصر أخرى بها تكتمل فكرة النجاح؛ ذلك أن النجاح خلاصة حياة مملوءة بالإخفاقات الصانعة بدورها للنجاحات الصغيرة.

إلى جانب أهمية دور المدرسة في تشكيل الوعي بفكرتي النجاح والفشل، فإن المشكلة الأخرى تكمن في تداعيات الوعي الخاطئ بفكرة الفشل في مجال الاقتصاد وريادة الأعمال. فمجتمعاتنا اليوم تشتغل - كغيرها من مجتمعات العالم - بالتمكين الاقتصادي والقطاع الخاص والمبادرة الخاصة، وبصدد وضع عقد مختلف البنود في توزيع الوظائف بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، ولكن نحن نخوض معركة تنمية وخلق الثروة بما وصفناه بالوعي الخاطئ بفكرة الفشل. ذلك أنه حسب هذا الوعي لا مجال للفشل في بعث مشروع. وكل باعث مشروع مطلوب منه النجاح والانطلاق في الربح وكتابة قصة النجاح من الوهلة الأولى والسنة الأولى. والحال أن الدراسات في العالم الغربي أثبتت أن رجال الأعمال الناجحين هم الذين فشلوا مرات عدة قبل أن ينطلقوا في تحقيق النجاح، ولأن ثقافتهم تجيد الربط بين الفشل والنجاح، وتعتقد في أبوة الفشل للنجاح، فإنهم لم يتعرضوا إلى إجهاض لإرادتهم وطموحهم.

في مقابل ذلك، نجد في مجتمعاتنا العربية أن فشل مشروع واحد يكفي كي نفقد الثقة بباعث المشروع ونعده فاشلاً لا يستحق الدعم ولا الإسعاف. ونعتقد أنه لم يعد من الممكن مواصلة النظر إلى إخفاق صاحب المشروع وصاحبة المشروع بنفس الطريقة، ومن المهم خلق نقاش حول قصص النجاح وإظهار المصاعب والإخفاقات التي عرفتها حتى انتهت قصة نجاح. وهو معطى مهم ليس فقط من ناحية التقييم الاجتماعي بل أيضاً في تعاطي هياكل دولنا والمؤسسات المالية الخاصة مع باعثي الأعمال بخاصة الشبان منهم، حيث إن ما يسمى اليوم بدراسة المخاطر، وبالتأمين على المخاطر إنما يندرج ضمن هذه الخلفية.

إن الفشل في الثقافة الواسعة الأفق والتأويل هو الطريق إلى النجاح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفشل بوصفه طريقاً للنجاح الفشل بوصفه طريقاً للنجاح



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon