توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية

  مصر اليوم -

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية

بقلم : د. آمال موسى

 في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي كان التركيز بشكل أساسي في فهم التوترات وتفسيرها وتصادم الرؤى والسلوك، على اعتبار أن كل ذلك نتاج الآيديولوجيات القائمة آلياً؛ بحكم طبيعة بنية الآيديولوجيا على التعصب لفكرة ومعاداة الأفكار الأخرى. في هذا السياق فهمت الشعوب كيف أن الآيديولوجيا فعلاً مولدة للعنف.

غير أنه في العقدين الأخيرين تراجع خطاب نقد الآيديولوجيات لفائدة ظهور خطاب آخر يحمّل مسؤولية التوترات للدين والمذهبية الدينية، وأصبح الدين محل نقد واتهام لدى هؤلاء.

المشكلة أن هاتين المقاربتين محدودتان وتنظر بعين واحدة في قضايا لا تقبل التجزئة. هناك شيء اسمه ثقافة تشمل كل شيء، وكل من فيها مسؤول عن أبسط موقف أو سلوك. توغلنا كثيراً في تجزئة الفهم والحال أن كل مكونات الثقافي في الإنسان تتدخل في تحديد التصورات والمواقف والسلوك: الثّقافة بالمعنى الأنثروبولوجي للمفهوم.

ولعل أحد مكونات الثقافة المتمثل في العادات والتقاليد مثلاً، هي الأكثر فعلاً في إنتاج المواقف وتحديد السلوك. ذلك أن العادات والتقاليد ركيزة من ركائز الثقافة من زاوية علم النفس الاجتماعي، وهي التي تطبع الثقافة بخاصية المحافظة.

ونحن اليوم في سياق قيمي إنساني عالمي ينتصر للفردانية فيكون التصادم والتوتر الذي يبدأ داخل الذات الواحدة، ثم بين الذات والأخرى، وداخل الأسرة، وبين الأجيال، وبين الطبقات، وبين المجتمعات: وتتسع الحلقات المفرغة وتتكاثر.

لنوضح فكرتنا أكثر: يجب أن نوسع مجال النقد ليشمل مكونات الثقافة كافة ولا نقتصر على مكون ونهمل المكونات الأخرى الأكثر فعلانية وتأثيراً وخطورة. فقد حان الأوان كي نسلط الضوء على العادات والتقاليد المتحكمة في التمثلات والمواقف والسلوك. إنها - أي العادات والتقاليد - سلطة حقيقية تتجاوز الدين في كثير من السياقات. فالدين أكثر تسامحاً من العادات والتقاليد في وضعيات اجتماعية كثيرة. من ذلك أن الدين ليس ضد الطلاق الذي يعد حلالاً وإن كان بغيضاً. في حين نجد مجتمعاتنا ما زالت تنظر للمطلقين نظرة ريبة ورفض. الدين الإسلامي مثلاً يقدم حلولاً عدة لمشكلات اجتماعية كثيرة. بمعنى آخر، كثيراً ما تقف العادات والتقاليد ضد الفرد وحريته واختياراته. فالعادات والتقاليد ذات سطوة، وتتميز بصعوبة التغيير وذات روح مقاومة جبارة وهي من أصعب عمليات التغيير الاجتماعي للقيم والثّقافة. هنا تكمن المشكلة: في الثقافة. لا تغيير للإنسان العربي خارج الفهم الثقافي النقدي. ولا يمكن للتغيير أن يتحقق ولو جزئياً إذا لم نفتح ورشة الثقافة على مصراعيها ودون حدود. يقول أحد أعلام الأنثروبولوجيا فرانز بوس في قالب سؤال مهم: «كيف لنا أن ندرك الأغلال التي كبلتنا بها التقاليد؟ فعندما ندرك وجود الأغلال سوف نتمكن من تحطيمها».

ونحن - المجتمعات العربية - لنا من الأغلال ما منع عملية التقدم. نتحرك ونفكر ونشعر ونحلم ونحن مكبلون بأغلال لا ترى. إنها أغلال رمزية وهي أكثر متانة وحديدية من الأغلال المحسوسة.

لذلك؛ يبدو لنا أنه حان الوقت كي نعطي لعلم الأنثروبولوجيا قيمته كما فعلت المجتمعات المتقدمة منذ أكثر من قرن. فهذا الاختصاص العلمي مميز جداً، وله نكهته الخاصة وجدواه الاستثنائية. علم يعرفه رواده الكبار بأنه «يبحث في معنى كونك إنساناً على نحو مستفيض». يطرح أسئلة تنبش من خلال الدراسات التجريبية الميدانية في معاني الحياة الإنسانية، ونجد في فرع الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية نظريات وتجارب ومفاهيم؛ ما يساعدنا على فهم معاني الإنسان العربي وتفكيك بنيته الثقافية وتشريحها، على نحو يزيل عنه أكثر ما يمكن من الأغلال المانعة للحياة وللتحقق الذاتي الاجتماعي المنتصر للإنساني. في هذا الإطار من الأهمية القصوى لاختصاص الأنثروبولوجيا، فإنه قد حان الوقت كي تنفتح جامعاتنا على هذا الاختصاص، الذي يعرفه الأنثروبولوجي إيريك وولف بأنه أكثر تناولاً علميّاً للإنسانيات وأكثر العلوم إنسانية. ما زالت أقسام علم الاجتماع في جامعاتنا العربية لا تُولي الأنثروبولوجيا ما تستحقه، والحال أننا في حاجة إلى باحثين متخصصين يقاربون مجتمعاتنا أنثروبولوجياً. نتعامل مع اختصاص شاسع ومهم كمادة من المواد الاجتماعية فقط. وهذا حسب اعتقادنا نعده تقصيراً لا ريب فيه. والمختصون العرب القلائل في بلداننا في مجال الأنثروبولوجيا حصلوا على شهاداتهم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشكل خاص. بمعنى آخر الكوادر الأكاديمية موجودة، ولكن نحتاج إلى وعي مخصوص بأهمية تكوين قسم خاص بالأنثروبولوجيا في جامعاتنا تماماً مثل اختصاصات التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس...

لقد حان وقت الأنثروبولوجيا كما سبق وقال منذ سنوات الأنثروبولوجي ريك سالوتين.

حاجتنا إلى مقاربة أنثربولوجية ودراسات ميدانية باتت حيوية جداً.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية  
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية حان وقت الأنثروبولوجيا في المجتمعات العربية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon