توقيت القاهرة المحلي 06:10:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطفولة المهملة... ضحية عالم مركب

  مصر اليوم -

الطفولة المهملة ضحية عالم مركب

بقلم - آمال موسى

نخطئ كثيراً عندما نعتقد أنَّ الطفل هو واحد وأنَّه يكفي أن نوفر كل حاجياته حتى يكون كما يجب أن يكون. ولكن في الواقع مثل هذا الاعتقاد إنَّما يمثل خطأ فادحاً يقع فيه الأولياء والأسر عموماً والمربون أيضاً. فالطفل إنسان معقد التركيبة ولا تنطبق عليه مبادئ العلوم الطبيعية والتجريبية الخالصة.

وكون الطفل متعدد التمظهرات والقدرات والإدراك والتفاعلات حقيقة يمكن ملاحظة ما يؤيدها في مجال التعليم مثلاً حيث نكتشف أن كل تلميذ هو حالة متفردة ولا يشبه غيره.

لذلك فإن الحديث عن التعليم اليوم يجب ألا يكون ضيقاً ولا يركز إلا على جودة المضامين البيداغوجية المعبر عنها في أهداف التنمية المستدامة بالتعليم الجيد، وليس فقط في البنية التحتية للمدارس، ولا في وسائل النقل فقط، ولا في الظروف المادية لعائلة الطفل التلميذ... هناك مواضيع سكت عنها تأويل معنى التعليم الجيد، ومنها الحق في التعليم بالنسبة لمن لهم صعوبات صعبة التحديد تجعل من عملية التعلم ذات صعوبات، ومن ثمة ذات تحديّات.

إنها الطفولة المهملة التي تعيش تجربة التعلم بصعوبات تثقل كاهلها ونتجنب الحديث عنها؛ فهل نحن نفكر كما يجب في الأطفال الذين لديهم اضطرابات تعلم؟ هل وضعنا خططاً واضحة ومستدامة لأطفال ذوي طيف التوحد؟ وهل يخطر على بالنا بالشكل اللازم أن هناك أطفالاً يعانون من مرض السكري ومن القلب وغيرهما من الأمراض ويحتجان إلى تعاطٍ خاص جداً؟

فيما يخص الأطفال ذوي الإعاقة - بحكم أنَّ الإعاقة واضحة ومرئية وبعد تراكم مجهودات أجيال متواصلة - يمكن القول إنَّ الدول باتت تأخذ بعين الاعتبار، في البنية التحتية وغيرها، وجود فئة من الأطفال حاملة للإعاقة، وإن الدمج يستلزم أن نأخذ خصوصياتها وحاجياتها في الحسبان، وبات هذا الأمر شرطاً ربما ينتفع به الكبار في بلداننا أكثر من الأطفال.

نفهم أنَّ الطفل في التمثلات هو عنوان الصحة والسلامة، ولكن هناك أطفالاً لديهم أمراض وأطفال لديهم صعوبات ولهم كل الحق في الإدماج والتعهد والاهتمام ومساعدتهم.

لذلك، فاليوم التعليم ليس مدرسة ومربياً وتلميذاً وبرنامجاً بيداغوجياً فقط، بل هو أيضاً يجب أن يتوفر على كوادر خاصة بمن لهم حاجيات وصعوبات خاصة.

في القرن الماضي كان عدد الأطفال الذين يعانون من هذه الصعوبات ليس لافتاً، وكان تركيز الدول على الأغلبية الساحقة التي بالكاد تحظى بالضروريات خاصة وأنَّ غالبية الدول العربية عاشت الاحتلال، ومعارك الاستقلال أنهكتها، والبناء العام للدول والبلدان لم يغلق بعد المائة عام. بمعنى آخر فإنَّ التركيز على حاجيات الأغلبية كان مفهوماً من جميع النواحي.

في مقابل ذلك، وفي العقدين الأخيرين تحديداً عرفت أعداد الأطفال ذوي اضطرابات التعلم وطيف التوحد والأمراض المزمنة ارتفاعاً مفجعاً ونسباً مرتفعة جداً. فهم ليسوا أقلية اليوم كما كانوا. فلا توجد عائلة موسعة إلا وفيها طفل يعاني من طيف التوحد. ولا يكاد نجد قسماً في المدرسة يخلو من تلميذ لديه اضطراب في التعلم... لذلك فنحن أمام حجم ديمغرافي هائل قد يصل إلى نصف الحجم الديمغرافي للأطفال إذا ما احتسبنا الأطفال حاملي الإعاقة وأطفال ذوي الحاجيات الخصوصية وأطفال اضطرابات التعلم، وهو ما بات يستدعي سياسة تدرج هذه في سياستها التعليمية حاجيات هذه الفئة من الأطفال، التي باتت تعادل النصف الذي لا يشكو من هذه الصعوبات.

طبعاً هذا التفاقم مفهوم باعتبار ضغوطات الحياة الجديدة والنظام الغذائي وتأثيره، وأيضاً ما تعرفه الأسرة اليوم من مشكلات من عنف وتوتر وطلاق... إضافة إلى التأثير السلبي والخطير لإدمان الهواتف وقضاء الطفل ساعات طويلة وحيداً في العالم الافتراضي.

ما باتت تعرفه المجتمعات من ظواهر له انعكاس على الأطفال الذين يتميزون بالهشاشة. لذلك فإن المجتمع يدفع ثمن هذه الظواهر والتغييرات ويكون الأطفال هم الضحايا، وهو ما يحتم على المجتمعات إيجاد الحلول والمرافقة والدعم لكونهم أطفالاً ومسؤوليتنا، وأيضاً لأنهم جيل الغد وهم الضامنون لاستمرارية مجتمعاتنا.

ندرك جيداً أن الصمت عن هؤلاء الأطفال إنما يعود للتكلفة الباهظة التي يتطلبها التعهد بهم خاصة، وأن عددهم ليس قليلاً، ولكن المحدد ليس التكلفة، بل أهميتهم كأطفال وأهميتهم كجيل من مصلحتنا مرافقته والتعهد به ليكون فاعلاً في الغد ويتجاوز صعوباته التي تسببنا فيها نحن.

هذه الفئة لم يعد ممكناً إهمالها ولم يعد ممكناً إنكار أنهم ضحايا ويجب تصحيح الأمر بالاستثمار فيهم من جميع الأطراف، دولاً ونخباً وجمعيات وهيئات أممية، ومن المهم أن يكون حجم الاستثمار في حجم المهملين الضحايا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطفولة المهملة ضحية عالم مركب الطفولة المهملة ضحية عالم مركب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon