توقيت القاهرة المحلي 19:57:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر

  مصر اليوم -

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر

بقلم - آمال موسى

 

هل بات من الممنوعات الخروج عن السرب أو الغالبية التي اختارت السرب؟

طبعاً المشكلة ليست في أن نكون داخل السرب أو خارجه بقدر ما تكمن في مدى ما يلبي انضمامُنا إلى سربٍ ما مصلحتنا وأولوياتنا. لذلك فإن الانشقاق الفكري هو ظاهرة ذات تاريخ، والتاريخ نفسه يتحرك ويقاوم ثبوته بالحراك الفكري وبثورة فكرة على أخرى. ومن يقرأ تاريخ الأفكار يدرك هذه الحركة ووتيرتها وإيقاعها في عالم الأفكار. فكأن العقل البشري كوكب، والأفكار هي الموجودات في هذا الكوكب وتعرف الولادة والمرض والموت... والموجود الوحيد الذي يتميز بالخلود في العالم الرمزي هو الحرية؛ لأنه لولا الحرية لا يمكن لفكرة أن تحل محل أخرى؛ ذلك أن لكل فكرة جيشاً يحميها ويذود عنها كي لا تموت. وكلما تُثبت الفكرة الجديدة وجاهتها وقدرتها على تحسين واقع مَن يعتقد فيها، اقتربت ساعة تدهور الفكرة القديمة.

المشكلة في الوقت الراهن أن القوي يريد لمنهجيته في تحقيق القوة والتقدم أن تصبح مقدّسة، وكل من يكفر بتلك الطريقة المنهجية فإن الأبواب أمامه تصبح موصَدة. وهكذا نفهم الصراع بين القوى الدولية حول الطرق المؤدية للتقدم واكتساب القوة. هو صراع طرق في النهاية بهدف أن لا حل في النهاية إلا طريقة واحدة يجتمع حولها بقية الدول السائرة في طريق النمو.

نعم، يحدث هذا في الوقت الذي تدَّعي فيه الإنسانية الحق في تقرير المصير والحرية والرأي والرأي الآخر وعدم الإقصاء... وكأن الخيارات الاقتصادية والثقافية إنما هي خارج الحق في تقرير المصير!

من المهم أن نفهم أن تحول العالم إلى قالب واحد وطريقة واحدة وفكرة واحدة هو تراجع إلى الوراء في تاريخ العقل البشري، فكما أن القصة الواحدة يمكن أن يتم سردها بشتى الخيارات الجمالية، فإن التقدم والتنمية وخلق الثروة وتحقيق الرخاء والصمود الاقتصادي يمكن معالجتها بطرق عدة، بل إن مصلحة العالم تكمن في التعدد.

وليس صحيحاً أن الإصلاحات هي واحدة، ومن يريد الإصلاح فإن له وصفة دوائية واحدة لا غير، فهل يعلم أصحاب هذا التفكير أنهم بهذا المنطق الأحادي المهيمن كأنهم يشجعون على التداوي الذاتي؟

المفروض أنه حتى في صورة إصابة ألف شخص بزكام حادّ فإن لكل واحد من الألف مصاب وصفة دوائية خاصة به.

إن الطرق ووصفات الإصلاح تظل مرجعيات نظرية يمكن الاستئناس بها لا أكثر ولا أقل، ولكل دولة وشعب الحق في صياغة ما يناسبه من توجهات وإصلاحات مستمدة من خصاصه وواقعه الذي لا يشبه أحداً، وتاريخه وتطلعاته ومشكلاته، وهذا هو الإصلاح الصحيح.

الفكرة المراد طرحها أن لكل بلد الحق في اختيار ما يناسبه من إصلاحات وتوجهات، من دون أن يسفر ذلك عن تضييقات وإقصاءات بالجملة، ما لم تمس تلك الخيارات أمن العالم. بمعنى آخر لا يمكن شطب حق كل دولة في تحديد ما يناسبها، وليس من صالح العالم الانخراط في نوع من تذويب لسيادة الدول على مصائرها.

هناك صيغ فكرية عامة يمكن لكل دولة أن تقتبس منها ما يناسبها، وأن تترك ما يعادي مصلحة شعبها، فليس تحرير الاقتصاد ووضعه في أيادي الخواص هو الحل للجميع، كما يتم التسويق لذلك عبر الآليات الدولية الكبرى والمتحكمة في السوق الدولية المالية والاقتصادية.

ففي الكثير من الدول لا يمكن للدولة أن تنسحب من القطاعات الحساسة، وتسليمها في عهدة القطاع الخاص القائم على الربح أولاً وأخيراً. ولقد رأينا كيف أنه في أزمة الـ«كوفيد» كانت حاجة الشعوب إلى دولها لتأمين التلاقيح وإيوائها في المستشفيات إلى حد أن أزمة الـ«كوفيد» مثّلت ضربة في العمق للتوجه الليبرالي المتوحش.

لا يوجد نمط واحد للتنمية، ولا بروتوكول فريد في نوعه من الإصلاحات الهيكلية، وكل ما هو موجود هو تجارب للاستئناس بها واعتمادها بكل حرية في الاختيار، بعيداً عن منطق الشروط والإملاءات.

إنّ كل مجتمع له خصائصه وتجربته ورأسماله الرمزي والمادي، وحتى عندما تكون الأوجاع هي نفسها في الظاهر هنا وهناك، وفي بلدان عدة فيجب ألا نشكك في أن الوصفات لمعالجة الأوجاع هي بالضرورة متعددة، وليست واحدة كما يقول الظاهر.

هناك أفكار خالدة أشبه ما تكون بالقيم... وهناك أفكار قصيرة العمر تموت لتحل غيرها مكانها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر أفكار خالدة وأخرى قصيرة العمر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon