توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوالدية الإيجابية

  مصر اليوم -

الوالدية الإيجابية

بقلم:د. آمال موسى

قد تبدو هذه التسمية غريبة بالنسبة إلى الكثير من الآباء والأمهات، ونفترض أن هناك من يرفضها من منطلق أنه لا توجد والدية سلبية حتى نتناول مفهوم الوالدية الإيجابية.

كما أن لا أحد يستطيع أن يزايد على الآباء والأمهات في صدق الأبوة والأمومة وعظمتهما، الشيء الذي جعل الشعراء والفنانين المبدعين بشكل عام ينتجون أجمل الأعمال الفنية التي تتغنَّى بعاطفة الأمومة والأبوة.

أظنُّ أنَّنا ليس في وارد وضع الوالدية في الغربال أو في الميزان، بل إننا في منطقة من الفهم مختلفة ولها كل المقومات التي تجعل منها بنّاءة.

إنَّ الحديث عن التغيير الثقافي والقيمي يستمد مشروعيته ووجاهته من الآليات التي يتم اعتمادها لتحقيق أكثر الأهداف صعوبة واستغراقاً للوقت والزمن والجهد: التغيير الثقافي.

لقد انطلق الغرب من عقود في الاشتغال على الوالدية الإيجابية كتتمة للمشروع التحديثي ككل. ففي المجتمعات التقليدية قبل هبوب رياح التحديث كانت مؤسسات التنشئة الاجتماعية هي الحاكمة والمتحكمة في سلوك الفرد وأفكاره ومواقفه وخياراته. غير أنَّ الحداثة التي جاءت لتنتصر للفرد رفعت من مكانة الفرد، وهناك نظريات في علم الاجتماع تظهر بشكل عام عملية الانتقال هذه وتكشف عن تضاريسها الكبرى؛ إذ الانتقال من الفكر البنيوي الوظيفي إلى الفردانية المنهجية مع رايمون بودون والفعلانية مع ماكس فيبر، هو تحول في توزيع السلطة بين الفرد والمؤسسات، وعلى رأس هذه المؤسسات نشير بطبيعة الحال إلى مؤسسة الأسرة.

إذن، مقاربة الوالدية الإيجابية هي آلية من آليات معالجة الظواهر السلبية التي يمكن أن تعرفها الأسرة، والتي قد يتسبب فيها الأولياء بغير قصد، بل إنَّ برامج الوالدية الإيجابية هي بكل بساطة برامج تهدف إلى دعم قدرات الأسر ورفع الوعي لدى الأولياء وتمكينهم من أساليب التربية الحديثة.

ويبدو لنا نحن في الفضاء العربي الإسلامي أننا بحاجة إلى إيلاء مقاربة الوالدية الإيجابية، وبرامجها القائمة على الحوار والتوعية والتثقيف، الأهمية الكبيرة. فالأمر يحتاج إلى التحلي بالشجاعة والاعتراف بأنَّ هناك أولياء يحتاجون إلى دعم قدراتهم المعرفية في مجال تربية الأطفال؛ لأنَّ الطفل في بداياته هو محل رعاية من أسرته، ولكن عندما يكبر فإنَّ كل المجتمع هو الذي سيتحمل تداعيات التربية غير الإيجابية وغير السليمة.

من المهم الإشارة إلى أنَّ التربية الوالدية لا غنى عنها إذا كنا على وعي بوظيفتها الإيجابية اليوم؛ إذ إنَّ كل شيء تغير، ولكن ثقافة الوالدية ظلَّت هي نفسها تقريباً، أو أنَّها تعاني من انفصام وانشطار بين والدية تقليدية في طريقة التربية ووالدية حديثة.

مما لا شك فيه أن مقاربة الوالدية الإيجابية تهم الجيل الجديد والأولياء حديثي العهد بالأبوة والأمومة والمقبلين على الزواج أيضاً ويعتزمون بناء أسرة؛ ذلك أنَّنا لا نختلف في أنَّ التربية علم وتراكم تجارب وخبرات، واليوم لم يعد مقبولاً اعتماد الضرب في تربية الأطفال مثلاً أو تعنيفهم لغوياً. فهذا الأسلوب الذي نشأت عليه أجيال وأجيال أصبح اليوم يتعارض مع القوانين والحقوق، علاوة على أنَّ طفل اليوم يختلف في علاقته بالمؤسسات والغيرية وبنفسه عن طفل الأمس.

لذلك فإنَّ دعم قدرات الأولياء وتمكينهم من أفكار ومبادئ الوالدية الإيجابية، هو دعم للأسرة وتحصين لها من العنف، ودعم للمجتمع كي ينشأ الفرد على التوازن النفسي والتحقق الذاتي. فالحوار وإيثار العلاقات الأفقية وتعزيز شخصية الطفل بالثقة والبوح والعقلانية... من شأن كل هذا أن يجنّب المجتمعَ ويلاتٍ كثيرة. ولا ننسَ أنَّ ظواهر الانحراف والجريمة والعنف... كلها تعبير عن خلل نفسي عادةً ما تكون له علاقة بالوالدية ذات المضامين والطرائق التي لم تعد صالحة اليوم.

إنَّ منظومة حقوق الطفل لها أثر في الدفع نحو اعتماد الوالدية الإيجابية كمقاربة جديدة في التربية في العصر الراهن؛ إذ إنَّ غالبية الدول قد صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إضافة إلى التشريعات ذات البعد الوطني والتي هي في تناغم مع الصكوك الدولية في مجال حقوق الطفل التي لا توليها منظومة القيم التقليدية اهتماماً.

الوالدية الإيجابية هي مقاربة تثمّن الحوار في العلاقة مع الأبناء والتخاطب معهم بنبرة أفقية واحترام جسدهم وحريتهم في الاختيار. وبمعنى آخر، فإن التربية الإيجابية هي هدم مضامين الوالدية التقليدية ذات النسق السلطوي العمودي الذي ينتج أفراداً بعلاقات متوترة مع الذات والغيرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوالدية الإيجابية الوالدية الإيجابية



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon