توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عصر العلاقات الأفقية

  مصر اليوم -

عصر العلاقات الأفقية

بقلم:د. آمال موسى

عرفت ثقافة القيم العموديّة مع هبوب رياح الحداثة هزات متتاليّة ما فتئت تقضي تدريجياً على نمط الحياة والعلاقات القائمة على التصور العمودي. فالمجتمعات التقليدية مثلاً هي مجتمعات عمودية بالمعنى الثقافي والاجتماعي للكلمة. ومن مظاهر النمط العمودي نذكر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والأب والابن، والمعلم والتلميذ، والأستاذ والطالب، وصاحب المشروع والعمال... أي علاقات قائمة على تلقي الأوامر من الفوق، لذلك فهي توصف بالعمودية. وطبعاً الثقافة ذات الهندسة العمودية حكمت العلاقات الاجتماعية وأنتجت علاقات قائمة على الهيمنة والخضوع.
إذن الفكرة الأولى المراد الإشارة إليها تتمثل في كون العلاقات العمودية خاصية المجتمعات التقليدية الشموليّة، في حين أن ما تقترحه الحداثة من خلال قيمها وتصورها الجديد للفرد كمحور البنى الاجتماعية وكفاعل اجتماعي مستقل ومحرك للفعل الاجتماعي وفق أهداف تُوصف بالعقلانية، هو نمط جديد ومختلف ومعارض تماماً يطلق عليه نمط العلاقات الأفقيّة.
فالحداثة ترفض العلاقات القائمة على الهيمنة والتي تنتج عنها قرارات فوقية.
كما يختلف التغيير الذي أصاب العصر الحديث من الفضاء الأوروبي إلى الفضاء العربي والإسلامي، بل إنه يمكن القول بثقة إن كل فضاء ثقافي مجتمعي لديه وتيرة خاصة في التفاعل مع قيم الحداثة وأنظمة الفعل الاجتماعي المقترحة.
ويتجه النضال القيمي الحقوقي اليوم وفي كل أرجاء العالم نحو التصور الأفقي في مقاربة العلاقات وبلورة الفعل الاجتماعي سياسياً كان أو ثقافياً، من ذلك مثلاً أن مؤسسة الأسرة بوصفها النواة الأساسية للمجتمع أصبحت اليوم تقوم على العلاقات الأفقية سواء في العلاقة بين الزوجين أو بين الأولياء والأطفال. وهو ما يعني أن البناء الأبويّ يعرف من عقود تراجعاً وأصبح الأولياء يقيمون علاقات أفقية مع أطفالهم. وفي مقابل ذلك فإن الأولياء الذين ما زالوا يمارسون تصور العلاقة العمودية مع الأبناء تنتج عن ذلك ظواهر اجتماعية أهمها التوتر بين الأولياء والأبناء ويشتد هذا التوتر عند بلوغ الأطفال مرحلة المراهقة. كما نشير أيضاً إلى أن التشريعات الخاصة بالطفولة في العالم اليوم تستند إلى التصور الأفقي الذي يتمظهر بدوره في الحوار والنقاش والنقد والإنصات المتبادل والتفاوض...
وإلى جانب كون الأفقية هي نظرة العصر الحديث والراهن فمن المهم مقاربة هذه المسألة في بُعدها الوظيفي، حيث إن العلاقات بين المؤسسات والهياكل الرسمية وغير الرسمية تشترط اليوم العمل أفقياً، بمعنى أن الهدف واحد، ولكن المتدخلين كثر. لا تستطيع اليوم مثلاً وزارة واحدة وإن كانت معنية بقطاع معين أن تعالج مشكلات القطاع برمّتها. ونلحظ أن الحاجة إلى التشبيك والتعاون لم تعد ترفاً بل ضرورة من أجل بلوغ الأهداف. ويمكن أن نضرب المثال التالي:
ظاهرة العنف ضد المرأة إنما تعالَج اليوم من وزارات المرأة والعدل والداخلية والثقافة والصحة. أيضاً العمل الدبلوماسي اليوم لم يعد يقتصر على السياسي الدولي فقط، بل إن الأصل في العمل الدبلوماسي اليوم الاقتصاد والثقافة والسياحة، وهو ما يشترط وجوباً تكاتف الجهود والأدوار بين هياكل مختلفة تتعاون أفقياً من أجل تجسيد دبلوماسية ناجحة متعددة الأبعاد.
وبناءً على رصد حقيقة الأفقية كنمط تفاعل للإنجاز داخل المجموعات والهياكل والمؤسسات والبيئات الاجتماعية، فإنه حتى العلاقات الدولية ستجد نفسها مع الوقت وتراكم النزاعات والدروس تنحو مضطرة نحو الأفقية ولن يتقبل المستقبل البعيد أو ربما المتوسط علاقات تقوم على الهيمنة وعلاقات القوة كما هو شأن العلاقات على امتداد التاريخ الإنساني. فلا توجد دولة اليوم يمكن أن تستغني عن بقية العالم مما يؤكد الحاجة المتبادلة بين دول العالم الفقيرة والغنية والقوية والضعيفة والمتقدمة والمتخلفة والسائرة في طريق النمو.
إن تأكيد التحول من التصور العمودي للعلاقات والفعل والقرار إلى التصور الأفقي القائم على الحوار والتشاركية نقطة مهمة من شأنها أن تحسم مبدأ أساسياً في مقاربة الأشياء، وبناء البرامج، ووضع المشاريع، والاستراتيجيات.
وليس سهلاً مثل هذا الانتقال القيمي الثقافي العميق ويحتاج إلى وعي وجهود توعية لأنّها تمس مسألة في غاية الأهمية وهي العلاقات الاجتماعية التي لم يعد ممكناً خضوعها لقواعد التعامل العمودي سواء في الفضاء التربوي أو الأسري أو المهني، وغير ذلك من الفضاءات التي كانت محكومة بالعلاقات العموديّة.
ولا يخفى على الجميع اليوم وجود تردد وتشظٍّ بين الأفقية والعمودية، خصوصاً في المجتمعات التي لا تزال عالقة في منطقة ما بين التقليدي والحداثي.
أشياء كثيرة تحتاج إلى الحسم الواضح لتجنب إهدار الطاقة والزمن وعلى رأس هذه الأشياء: الانتقال بجرأة وشجاعة إلى زمن العلاقات الأفقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصر العلاقات الأفقية عصر العلاقات الأفقية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon