توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التكلفة الباهظة للفقر

  مصر اليوم -

التكلفة الباهظة للفقر

بقلم:د. آمال موسى

عادة ما تكون مبرّرات الإخفاق في مواجهة ظاهرة الفقر والقضاء عليها ذاتَ بعدٍ مادي: نقص الاعتمادات وضعف الموارد وضعف الاستثمار والتشغيل. وهي مبررات مقنعة إلى حد كبير إذا ما تعاملنا معها وفق المنوال الكلاسيكي لمقاربة الأشياء.

ولكن هناك أسئلة وأجوبة تحتاج إلى إعادة صياغة، ومن ثم استنتاجات جديدة، من ذلك: هل تفكر بلدان العالم التي تعاني من هذه الظاهرة، وكم هي كثيرة، في حصر تكلفة الفقر وتوصيفها. أغلب الظن أنَّها تكلفة باهظة جداً. فالفقر تكلفته بملايين المليارات وهو ما يستدعي بالفعل طرح هذا السؤال لأنَّه سؤال يمس فلسفة المقاربة ومنهجيتها.

بل إنَّه كما تفطن العالم من خلال بعض البلدان إلى إطلاق دراسات نوعية مهمة لتحديد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للعنف ضد المرأة، فإنَّه سيكون من المجدي أيضاً التفكير جدياً في إطلاق دراسات في هذا المنحى حول تكلفة الفقر سواء التكلفة الاجتماعية أو الاقتصادية، وبلغة أخرى: كم تنفق البلدان التي تعاني من الفقر على الفقر.

إذن، هنا نسجِّل تحولاً في الفهم لمعضلة الفقر. الفقر بوصفه نتيجةً وليس سبباً. وهو ما يقتضي قلب عملية التفكير برمتها. ذلك أنَّ الفقر هو نتاج عدم الاعتراف بالفقر وهو فقير قبل أن يصبح فقيراً.

السؤال بكل بساطة هو: كم ينفق العالم على الفقر أولاً وعلى تداعياته؟

لنبدأ بالميزانيات التي تخصصها الدول للفقراء والمحتاجين والذين يعيشون في خصاصة. إنَّها اعتمادات مهولة جداً وبحساب الفقير الواحد هي زهيدة جداً لأنَّ عدد الفقراء كبير وفي ازدياد من سنة إلى أخرى. وهذا ما يؤكد أنَّ كل ملايين المليارات التي تصرف في شكل مساعدات لطرد الجوع ومقاومة البرد ليست ذات شأن، رغم ما تمثله على الدول من إرهاق ونزف. المشكلة في أنَّها اعتمادات دون عائد وليست من أجل الاستثمار.

طبعاً لا توجد دولة مهما كانت غنية دون فقراء، ومن واجب الدول ألا يموت الفقراء جوعاً، لأنَّ كل فقير له حق في وطنه ويتقاسم ملكية الوطن.

فالمشكل هو كيف تنجح الدول في وضع أنظمة حياتية، ومنوالٍ تنموي لا يقصي أحداً ويعترف بالجميع، والاعتراف يضمن الحد الأدنى من العيش اللائق والعمل اللائق.

إذن، الفكرة الأولى هي كيف تصبح الدول غير مجبرة اجتماعياً وإنسانياً وأخلاقياً وحقوقياً على تقديم المساعدات للفقراء؟ وطبعاً الإجابة واحدة لا ثاني لها: بالقضاء على الفقر ينقطع نسل الفقراء، ومن ثمّ لن تُرصد لهم، بحكم انعدام وجودهم، اعتمادات وميزانيات ضخمة.

لنأتِ إلى الفكرة الثانية: تكلفة الفقر من ناحية تداعياته. ذلك أنَّ الفشل الدراسي والانقطاع عن الدراسة لأسباب اقتصادية لهما تكلفة باهظة يدفعها المجتمع. فالطريق نحو الانحراف والجريمة مفتوحة على مصراعيها أمام هؤلاء وغيرهم. ناهيك عن أنَّ الذين لا يُعترَف بهم اقتصادياً ولا تقوم الدول بفتح قنوات إدماج لهم في الدورة الاقتصادية سيكونون لقمة سائغة للتطرف والجريمة والعنف والإحباط والاحتقان... وعندما نتطرق إلى تكلفة تداعيات الفقر فإنَّ لا دولة قادرة على تحديدها على نحو واقعي، لأنَّ ذلك يستدعي حتى احتساب ما تخسره الدول جراء العنف والإرهاب في كل المجالات.

المؤكد أنَّ التكلفة باهظة إلى حد لا يمكن احتسابه بالأرقام. والجهد الذي سيضيع في تحديد تكلفةٍ لن تكون دقيقةً مهما كانت دراسة التكلفة دقيقةً، من العقلانية أن يذهب إلى التفكير في معالجة ذات جدوى لتلك التداعيات. وهنا تكون الحاجة إلى وضع خطة تنفيذية خاصة بكل دولة حول كيفية معالجة تداعيات الفقر، إذ إنَّ في هذا التمشي تضييقَ الخناق على آفة الفقر، وأيضاً معالجة للأسباب من خلال مداواة التداعيات.

لا بد من برامج تنمية اجتماعية عالية المنهجية والأولوية والجدوى: كيف نضمن الحق في التربية والتعليم للجميع دون استثناء؟ كيف نقضي على الانقطاع المبكر للأطفال عن الدراسة؟ كيف ندعم قدرات الأولياء معرفياً واقتصادياً لتأمين الحد الأدنى من حاجيات أطفالهم؟

كيف نربي أطفالنا على الطموح، ونبذ المستحيل، وفكرة الممكن، والحلم، والمثابرة، وتقدير الجهد، وتقديس العمل؟

هكذا يتم التخفيض من الفاتورة الباهظة للفقر وتداعياته، وما تنتج عنه من مشاعرَ سلبية وأفكار دونية انتقامية سادية.

المجد للتربية والتعليم، المجد للعمل، المجد ليدٍ لا تُمدّ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التكلفة الباهظة للفقر التكلفة الباهظة للفقر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon