توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

  مصر اليوم -

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة

بقلم - آمال موسى

للفن في الغرب منزلة متميزة، ونجحوا في جعل المنتجات الفنية من الاقتصادات المربحة وذات إسهام كبير في نسب نمو الاقتصادات. فالحديث عن السينما يأخذنا مباشرةً نحو هوليوود التي أصبحت تجسيداً نموذجياً لقوة الفن وسحره وعظمته. لذلك فإن الفن في العالم الغربي صناعة كبيرة ذات أسس ثقافية متينة ومهنية عالية، الشيء الذي جعل أكبر المهرجانات في العالم تبرمج سهراتها وفقراتها قبل سنوات لأن روزنامة مشاهير الفن وكباره مكتظة بالمواعيد، وأيضاً لأن أسس البرمجة ذاتها مرتبطة بالسياحة والمواسم الأكثر استقطاباً وبنظام كامل من الاستثمار المتعدد الأبعاد للأنشطة الفنية والثقافية.

ولما أصبح الفن اقتصاداً مربحاً فإنه أصبح جزءاً من المعارك والحروب بمختلف أشكالها، بل إن اقتصاد الفن والثقافة يسمح بإدارة أخطر الحروب لأنه مجال حروب الأفكار وكتابة الحقائق كما يحلو للسارد أن يصف ويصور.

من جهتنا ورغم كون الأمة العربية والإسلامية من الأمم ذات الحضارة والثقافة، وتعد من الأمم المنتجة لأمهات الثقافة، فإننا لم نعتنِ بالثقافة مورداً اقتصادياً، ولم نولِ الفن العناية اللازمة، والرهان الكبير كي يسهم في التنمية وكي نضمن حضورنا في الجغرافيا الفنية الحضارية في العالم.

ففي هذا السياق يوظِّف الآخرُ الذي أدرك قيمة الفن وجعل منه اقتصاداً كامل الأركان والشروط ومنتجاً للثروة وخالقاً لها، يقوم هذا الآخر من حين إلى آخر، تاريخنا في أعمال فنية أو ثقافية، ويسمح لنفسه بأن يتصرف فيها كما يشاء. بل إنه لا يكلّف نفسه سؤال أهل الذكر من بني جلدة أصحاب ذلك التاريخ. وهنا نتحدث طبعاً عن الجدل الذي يدور حول الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» التي اُختيرت له ممثلة داكنة اللون لأداء دورها، الشيء الذي أثار علماء الآثار المصريين الذين كتبوا تاريخ هذه الملكة واصفين بشرتها بالشقراء. ونفس الشيء يتكرر مع شخصية هنيبعل، القائد الأسطورة، إذ اُختير الممثل دينزل واشنطن لأداء دوره، والحال أن هذا البطل الفينيقي التونسي تصفه كتب التاريخ بأنه أبيض البشرة. وهنا نلاحظ أن المسألة لا علاقة لها بالتمثلات وأن كل ما يتصل بنا وبتاريخنا إنما هي أفكار مغلوطة، أو أن الأمر يتصل بموقف من البشرة السوداء... بالعكس تماماً؛ كل جوهر الموضوع في المعلومات الحقيقية وفي أن الشخصيات التاريخية يراعى في اعتمادها كأبطال لأعمال كل تفاصيلها الواردة في السرديات التاريخية، وذاك جزء أساسي في الأعمال الفنية التي تقوم على التاريخ، أحداثاً ورموزاً. بل إن قيمة أي عمل فني تاريخي هو في دقة البحث الذي قام به كاتب الفيلم ومخرجه. ولكنّ هذه المهنية يُتهاوَن بشأنها عندما تتصل بالعالم العربي والإسلامي، وهو تهاون مدروس ومقصود.

طبعاً يجب ألا ننسى ونحن نتحدث عن أعمال فنية تستند إلى التاريخ أنها تظل قبل كل شيء أعمالاً فنية وللخيال فيها دور كبير، ولكنّ مجال الخيال ليس تغيير لون البشرة ولا المساس بما هو واقعي وحقيقي. فالخيال هو أن يجري التركيز على نقطة ويحوَّل الهامش إلى متن والهامشي إلى جوهري والتوغل فيما أهمله التاريخ. الخيال يتوغل في التفاصيل والخفايا والحميمي الذي سكت عنه التاريخ فتكلم فيه الخيال. لا صلة للتاريخ بتغيير لون البشرة أو غيرها لأنها تدخل في باب البيانات والمعطيات. ودليلنا في ذلك حجم الوقت والجهد الذي يبذله المخرجون وهم يبحثون عن الممثلين الأقرب إلى الشخصية شكلاً، وذلك ليس اعتباطياً، بل لأن الذي يختار التعامل مع التاريخ وشخصياته وأحداثه هناك شروط كي يكون بالفعل عملاً تاريخياً وإلا فهو عمل آخر لا صلة له بالتاريخ. والمعطيات في الأعمال التاريخية شرط نجاح العمل نفسه، وأي معطى خاطئ ينسف العمل، لذلك فإن القيام بالأعمال التاريخية ليس سهلاً ولا كثيرَ التواتر لأن القائمين على العمل الفني التاريخي مكبّلون بالحقائق التاريخية وبالسرديات.

وكما نعلم أن تاريخ الشعوب والأمم مقدَّس في معلوماته، وأي تعامل مع تاريخ البشرية من المهم أن يكون خارج الصراعات السياسية لأن هذا الصراع نهايته الهزيمة وإن تأخرتْ لأنه سيأتي عمل آخر يكشف عنه. كما أن التشويش على أعمال فنية بصدد التنفيذ والتركيز على أخطاء، لا يمكن أن يكون تشويشاً إيجابياً حتى ولو كان المحتجون لا يمتلكون الأبواق الإعلامية التي تصل إلى كل العالم.

هناك نوع من السقوط في توظيف الفن عبر تزييف الحقائق كي يكون الجدل حول لون البشرة لا عن عظمة ذلك الرمز التاريخي ولا عن كيفية تصويره وتسويقه للعالم. إنَّ مَن يهيمن على السوق عامةً يهيمن على سوق الفن أيضاً ويفرض حتى لون البشرة ويغيِّرها.

فهل هو نوع من تحويل وجهة التركيز وإسقاط للنظرة العنصرية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة تسويق التاريخ ولعبة تغيير لون البشرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon