توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأسرة في قلب العاصفة

  مصر اليوم -

الأسرة في قلب العاصفة

بقلم:د. آمال موسى

يحتفل العالمُ الأربعاءَ المقبل باليوم الدولي للأسرة، وهو يوم يتميز بخصوصية لما للأسرة من مكانةٍ خاصة عبر التاريخ الإنساني والاجتماعي للحياة في كوكب الأرض.

نعم نحن نتحدَّث عن أقدم مؤسسة اجتماعية على وجه الأرض، وهي فعلاً الخلية الأولى لهذا التجمع الهائل من الأفراد الذي يقدر بسبعة مليارات نسمة اليوم في كامل أنحاء العالم.

تتنوع توصيفات الأسرة ولكنّها واحدة في المعنى: فهي الخلية الأولى للمجتمع وهي نواته، ورغم كل التهديدات التي باتت تعرفها مؤسسة الأسرة اليوم فإنَّ البشرية لا يمكنها الاستغناء عنها، باعتبارها المؤسسة الضامنة للتكاثر والحياة وتعاقب الأجيال وتشبيب المجتمعات، والمحافظة على وجود الشعب في حد ذاته، حيث إنَّ التنازل عن الأسرة يعني التهرم السكاني ويعني تراجع الحجم السكاني، ويعني أنَّ استمرارية وجود كيان الدولة نفسه مهددة لأنَّ الشعب بحجمه الديموغرافي وبثروته الشبابية هو مقوم أساسي من مقومات الدول، ودون الشعب لا وجود لدولة أصلاً. فالأسرة هي خلية المجتمع والشعب والحياة.

اليوم تعرف مؤسسة الأسرة تحديات عدة. والملاحظ أننا نقارب هذه التحديات من منطلق كونها تخص الأسرة وتقف عند حدودها والحال أن ما يمس الأسرة يمس المجتمع والدولة والعالم ومن المهم التركيز على هذا المنظور لأنه وحده يعطي للأسرة قوتها ومن ثمة يحدد حالة الاستنفار التي تحتاجها معالجة مشكلاتها.

طبعاً من سنوات هناك أصوات تنعى مؤسسة الأسرة وتقول إنَّ الحداثة قضت عليها ولا مستقبل كبير لمؤسسة الأسرة في التنمية الفردانية وقيمها نظراً لتراجع خصلتي التضحية والعطاء اللتين تقوم عليهما هذه المؤسسة الاجتماعية. بل إن أصحاب هذه الأصوات يقدمون مبررات ارتفاع حالات الطلاق والعنف الزوجي...

لا شك في أن مؤسسة الأسرة تعيش في قلب عاصفة من التغييرات والتهديدات ذات الخطورة العالية اليوم، ولكن هناك فرق بين أن نعالج التهديدات وأن نعتبر أن تلك التهديدات الخارجة عن الأسرة وكأنها أعراض هزال وسقم.

ولعله من المهم توضيح أن مؤسسة الأسرة استطاعت أن تضمن استمراريتها كمؤسسة رغم كل الهزات التاريخية الاجتماعية واستمدت قوة ذلك من طبيعتها كمؤسسة لا يستغنى عنها لضمان البقاء وفق شروط الثقافة، التي حولت الإنسان من كائن حي إلى إنسان يتميز بالثقافة والقيم وعقد اجتماعي.

الفكرة الأساسية هي أن مؤسسة الأسرة ضرورة للمجتمع وللحياة على وجه الأرض ولاستمرارية الأجيال. لذلك فإن الجهد الفكري البناء من المهم أن يوجه ضمن كيفية تعزيز صمود الأسرة في عواصف العصر الحديث والمعاصر، بدل الدخول في خطاب بيزنطي حول نعيها وانتهائها.

وهنا نضرب المجهودات التي تقوم بها اليوم بلدان أوروبا الشرقية من أجل تشجيع مواطنيها على بناء أسر، باعتبار الانخفاض الكبير لمعدلات الخصوبة وعدد المواليد، سواء كان ذلك من خلال نظام عطل الأمومة والأبوة والوالدية المتقدم جدا، أو التشجيعات المادية المتمثلة في تأمين الدولة بيتا للأسرة التي تنجب ثلاثة أطفال. وهي إجراءات من أجل حماية الدول لنفسها، لأنه لا مستقبل لأي بلد مجتمعه في حالة تراجع ديموغرافي وعدد الأسر فيه في تراجع خطير والزواج بات فيه حدثاً.

ومن المشكلات الجديرة بالتفكير وإيجاد الحلول، التّداعيات الاقتصادية على الأسر، وكيف أن البعد الاقتصادي يهدد استقرارها ويجعلها عرضة لعدة مظاهر مثل التأزم والتوتر والعنف، وهو ما يؤكد أن الأسرة هذه المؤسسة الاجتماعية هي أيضاً مؤسسة اقتصادية وهناك شيء يمكن أن نسميه اقتصاد الأسرة وإدارة الشؤون الاقتصادية للأسرة. لذلك فإنَّ السياسات الاقتصادية والرّهان من أجل نسب النمو والناتج القومي وتحسين الميزان التجاري والسيادة الغذائية وفتح آفاق التشغيل، وإصدار التشريعات المنتجة لمناخات جيدة للأعمال، وخلق الثروة، كل هذا في ظاهره اقتصاد وتنمية وفي باطنه ظروف عيش الأسر والمقدرة الشرائية للمواطن.

أيضاً ما يستحق الحديث عنه بمناسبة اليوم العالمي للأسرة هو تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة على مجتمعاتنا العربية التي ملايين فيها يعانون من إدمان العوالم الافتراضية وهي مظاهر لا فقط تهدد التواصل الاجتماعي وتنمية العلاقات الاجتماعية بل وأيضا لها تأثير سلبي على الأطفال وعلى مردودية العمل حيث يتم إهدار الزمن الأسري في الإدمان على الإبحار في شبكات التواصل الاجتماعي والبحث عن تعويض في العالم الافتراضي على حساب العلاقات داخل الأسرة النواة والممتدة.

الأسرة كتركيبة مضمونة البقاء والاستمرارية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، ولكن معنى الأسرة هو المهدد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسرة في قلب العاصفة الأسرة في قلب العاصفة



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon