توقيت القاهرة المحلي 20:12:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مهنة شاقة جداً

  مصر اليوم -

مهنة شاقة جداً

بقلم -آمال موسى

تعرف تونس منذ أسابيع طويلة أزمة حادة في قطاع التعليم الثانوي تحديداً، وذلك بسبب تعرقل المفاوضات بين نقابة التعليم الثانوي ممثلة للاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة التونسية ممثلة في وزارة التربية. فالأساتذة المنتمون إلى التعليم الثانوي، الذي يمثل حلقة أساسية، يطالبون بالترفيع في الأجور وأن يتم اعتبار مهنة الأستاذ مهنة شاقة وذلك بالتخفيض في سن التقاعد. ومن مظاهر هذه الأزمة امتناع الأساتذة عن إجراء الامتحانات للتلاميذ ورد الوزارة على ذلك بعدم احتساب الثلاثي الأول مع ما تزامن مع ذلك من محاولات إظهار تقصير الأساتذة، الأمر الذي أجج غضب الأولياء وأيضاً التلاميذ الذين ردوا الفعل بالامتناع عن الدراسة. وهو ما يعني أن الأستاذ والتلميذ والوزارة والولي جميعهم غاضبون، مع العلم أن آخر التسريبات تقول ببداية وجود انفراج لهذه الأزمة التي طالت وأضفت قلقاً كبيراً على الأسرة التونسيّة.
لقد انطلقنا من الأزمة الراهنة في تونس لنتوقف عند مسألة مدى مشروعيّة اعتبار التعليم مهنة شاقة.
طبعاً كل مهنة يقوم بها الفرد بشكل جدي وبضمير عال هي بالضرورة شاقة، والعمل ينتج عنه آلياً التعب من منطلق أن العمل هو بذل للجهد. المشكلة في بلداننا أن العمل الذي نبذل فيه جهداً ذهنياً ونظهر فيه قدرة على التركيز والتفسير وإيصال المعلومة يعد عملاً مريحاً مقارنة بالمهن التي تقوم على البنية الجسدية للفرد أي الأعمال اليدوية. وكما نلاحظ فإننا أمام تقسيم للمهن تقليدي جداً في الرؤية والفهم، حيث إن الجهد الذهني ينتج عنه تعب جسدي بالضرورة.
هذا بشكل عام.. فما بالنا بمهنة التعليم التي تستوجب حضوراً ذهنياً متواصلاً مهما كانت نفسية المعلم. فهي مهنة تقوم على التواصل والتفاعلية وتتعامل مع فئة عمرية ذات خصائص خاصة جداً. لذلك فهي حقاً مهنة شاقة جداً ولا غنى عنها لأن التعليم هو العمود الفقري للمجتمع وبه يصبح الحلم بالمستقبل مشروعاً، إضافة إلى أن المعلم هو الباث في عملية الاتصال التربوية وهو المحدد لنجاحها وهو الناقل للمعرفة والمعلومات وعلى عاتقه تنصب مهمة التنشئة.
المشكلة أن وضع المعلم في غالبية بلداننا لا يؤهله للقيام بدوره كما يجب، وإذا اضطلع المعلم بوظيفته النبيلة فيكون ذلك عادة على حساب صحته ونفسيته وحياته كلها. فنحن نعترف له بالأهمية ولكن لا نترجم هذه الأهمية بشكل عملي بدليل تردد الجانب الرسمي في تونس في اعتبار التعليم مهنة شاقة والحال أن تونس عُرفت بمركزية المسألة التعليمية منذ الاستقلال، حيث قامت الدولة الوطنية والمشروع البورقيبي على مجانية التعليم وإجباريته وتم تخصيص ثلث الميزانية له رغم تواضع موارد البلاد وميزانيتها.
بمعنى آخر كان يمكن لتونس اليوم أن تمنح للمربي تشريعاً رمزياً يعكس حسن تقديرها لدوره لا أن ترفض مطلبه واعتبار أن هذه المهنة لا تختلف عن المهن الأخرى.
هناك بلدان اعترفت بكون التعليم مهنة شاقة بطريقة مختلفة وعبرت عن ذلك في مظهرين مهمين؛ الأول التقليص في عدد ساعات التدريس (الأستاذ في التعليم الثانوي بتونس يدرس قرابة 17 ساعة أسبوعياً) وأيضاً في أجور الأساتذة والمعلمين. فالأجر المحترم هو اعتراف بالجهد وتقدير له. بل إن الأجر هو ما يجعل الأستاذ يشعر بشقاء مهنته أو انعدام ذلك. ولا نعتقد أن مهنة شاقة بطبيعتها إضافة إلى أجر هزيل يمكن أن يساعداً الأستاذ على القيام بدوره كما يجب بقدر ما ينتجان أستاذاً غاضباً ومحتقناً ومغترباً.
فليس صدفة أن تفهم الدول المتقدمة الدرس وأن تعتني برواتب المعلمين عناية خاصة (في لوكسمبورغ يتحصل المعلم شهرياً على 5500 دولار وفي ألمانيا على 4500 دولار وفي الدنمارك على 3800 دولار وفي أميركا على 3500 دولار وأستراليا على 3400 دولار). وفي العالم العربي، فإنه باستثناء دول الخليج التي تتراوح فيها رواتب المعلمين بين 5800 دولار و2150 دولاراً فإن الأجور في باقي الدول مخجلة جداً، حيث تتراوح المرتبات في مصر وتونس والجزائر والمغرب بين 50 دولاراً و400 دولار.
لقد تعمدت إدراج هذه الأرقام لأنها وحدها بليغة في إرسال الرسائل والتعبير عن الفرق في النظرة للمعلم وفي كيفية تقدير جهده ودوره وترجمة ذلك مادياً. وهذا يخلق نوعاً من الشعور بالقهر، حيث يجد المربي في غالبية بلداننا أنه محروم من التقدير المادي والرمزي فلا يتحصل على ما يضاهي جهده من التعب والإرهاق ولا يحصل على اعتراف تشريعي يقر بكونه يمارس مهنة شاقة تستوجب عمراً معيناً يتم فيه التقاعد. ولا تخفى على الغالبية تلك الدراسات التي أظهرت المشكلات الصحية والنفسية الخاصة بمجتمع المعلمين والأساتذة، التي تصيبهم أكثر مما تصيب غيرهم.
لن نقيم علاقة منطق مع قيم التقدم إلا إذا تصالحنا مع قيمة الحق وأعطينا للتعليم قدره من الأهمية والهيبة والاستثمار في الإنسان والعقل والمعرفة.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهنة شاقة جداً مهنة شاقة جداً



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon