توقيت القاهرة المحلي 19:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة

  مصر اليوم -

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة

بقلم : آمال موسى

رغم ضعف الرهان على البحث العلمي في معظم بلداننا العربية وهامشية الموارد المخصصة له، فإننا لا نستطيع أن ننكر وجود حركة بحثية حتى لو كانت متواضعة الوتيرة. والغالب على هذه البحوث المنجزة في مراكز البحث أو من باحثين مدعومين من قِبل جهات تعنى بالبحث العلمي أو بجهد خاص من الباحث نفسه، الجدية ووجاهة النتائج وأهميتها، خصوصاً أن الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية بشكل عام يتفاعلون مع القضايا الراهنة ويحاولون ضمان البُعد الآني للإشكاليات المعالجة، فضلاً عن ربط الدراسات بالمجتمع ومشكلاته، وهو ما يجعل من البحوث المنجزة وظيفية وذات جدوى تفاعلية.
كل هذا جيد ومثلج للصدر ومطمئن قليلاً حتى لو كانت البحوث تُنجز بمشقة وتفتقد الغزارة والرهان الجوهري عليها. ولكن غير الجيد والمحبط والصادم هو وجود قطيعة بين نتائج البحوث وأصحاب القرار في العالم العربي.
ماذا يمكن أن نفهم من هذه القطيعة؟
للوهلة الأولى يمكن التسرع والاستنتاج أن السياسي في بلداننا لا يعترف بالباحثين ويعتبر البحوث نوعاً من اللغو، خاصة إذا كان مجالها العلوم الاجتماعية والإنسانية. وهنا يكون المشكل في كيفية تصور العلم والمعرفة لدى النخب السياسية الحاكمة في بلداننا. ولكن عدم التسرع لا يعفينا من الاعتراف بحقيقة تثبتها مظاهر مادية ملموسة تتمثل في ضعف المخصصات المالية التي تخصصها معظم دولنا للبحث العلمي، فهي ذات حجم ضعيف يعكس - شئنا أو أبينا - التقدير الضعيف للبحث العلمي الذي هو سبب من أسباب النكسة الحضارية للعالم العربي في اللحظة الراهنة.
طبعاً لا يفوتنا أن مجال السياسة هو مجال الآني واليومي والواقعي المحض وأن السياسيين منشغلون بالتعامل السريع مع الأحداث والمشكلات، وهو ما يعسر عملية التفاعل بينهم وبين نتائج البحوث سواء في تحديد القرارات والإجراءات وترتيب الأهم والأكثر أولوية في ضوء رؤى عارفة. ولكن السؤال: لماذا هذه القطيعة غائبة في الفضاء الأوروبي والغربي؟
لا شك، غياب القطيعة في ديار الآخر المتقدم لا تعني التفاعلية العالية والآلية، إذ إن من طبيعة البحث العلمي التريث وأخذ المسافة الموضوعية خلافاً للعمل السياسي ذي الطبيعة الساخنة والسريعة. لذلك فإن التفاعلية الإيجابية بين نتائج البحوث وأصحاب القرار اتخذت لها أشكالاً واستراتيجيات تفاعل وتوظيف متعددة وذات جدوى.
أول نقطة، حسب اعتقادنا، تكمن في كيفية مقاربتنا لأهمية البحوث والنتائج التي تسفر عنها رحلة البحث والأعمال الميدانية وحتى المقاربات الفكرية التفهمية التأويلية؛ لأن العقل السياسي الذي تلقى تنشئة ثقافية وسياسية تعنى بالعلم والمعرفة لن يستطيع تجاهل نتائج المعارف المنشورة.
تتمثل النقطة الثانية في تاريخ العلاقة بين السياسي والمثقف في عالمنا العربي، حيث إنها علاقة لطالما عانت من طعون كثيرة وعميقة. كما أن التاريخ المعاصر لهذه العلاقة، الذي انبنت عليه دول الاستقلالات العربية والإسلامية في القرن الأخير، يقوم على تبعية المثقف الباحث للسياسي وليس حول دولة المثقف ووظيفة الباحث التي هي نشر النور والحقيقة في المظلم الغامض الملتبس من الظواهر والمشاكل الاجتماعية والإنسانية.
أيضاً هناك معطى آخر هو أن جل البلدان العربية بشكل عام ما زالت منشغلة بمعالجة اليومي الحدثي، ولم تنتقل إلى مرحلة الخطط المستقبلية الواثقة الواضحة، خلافاً للعالم المتقدم الذي نراه يتحدث عن سنة 2030 وأبعد من ذلك، إضافة إلى تحصنه بخطط للإنقاذ والتدخل في الأزمات الكبرى غير المتوقعة في المستقبل.
كأن السياسي في بلداننا ليس له وقت لمتابعة نتائج البحوث، ولا توجد في الانتماء الحزبي التابع له ذلك السياسي خلية متابعة تستفيد من تلك النتائج وتحرص على توظيفها في صنع القرار.
إن تكلفة هذه القطيعة باهظة جداً: تكلفة تتمظهر في تكرار الأخطاء وفي تراكم الغموض وعدم الفهم لما يجري من ظواهر وأحداث ولماذا يجري. فمن سنوات طويلة ونتائج البحوث العلمية في بلداننا تنادي بضرورة إيلاء الشباب المكانة التي هي من حقه ليشعر بالاعتراف ويصبح منتجاً ومعنياً ويطوع طاقة الاحتجاج والانشقاق فيما يفيده ويفيد مجتمعه ويجعله إيجابياً وكادحاً من أجل التغيير والتنمية لا قنبلة موقوتة... ولكن حال الشباب في مواقع التنمية والقيادة والمشاركة لا يزال على حاله من التهميش. وأيضاً من سنوات طويلة ومنذ العمليات الإرهابية الأولى وظهور شبكات الإرهاب التي تمعشت من مشكلة القطيعة بين أصحاب القرار ونتائج البحوث والأفكار النيرة للمفكرين العرب الكثر، أشارت مختلف الدراسات إلى أن معالجة الإرهاب ثقافية واقتصادية، ولن نقضي عليه بالتركيز الأحادي على المعالجة الأمنية، ولكن لا صدى لهذه الأفكار والدعوات.
لقد آن الأوان كي تراجع هذه القطيعة من طرف أصحاب القرار وأن يتفاعلوا إيجابياً مع هذه النتائج، وهو تراجع سيُقوي عزيمة الباحثين والمثقفين ويجعلهم يتجاوزون حالة الشعور باللاجدوى والقهر والهدر لمجهوداتهم. وفي المقابل أيضاً فإن أصحاب القرار سيقتربون من المعالجة الصحيحة المؤطرة بأرقى إنتاجات المجتمع فكرياً. فالمعالجة السريعة لا تلغي أبداً فتح قناة تواصل دائمة بين نتائج البحوث وتوصياتها وما تنطوي عليه من اقتراحات وحلول وبين القرارات التي ستكون أقرب للناس بحكم أنها صنعت بضوء العلم والبيانات المستمدة من الناس أنفسهم.
ومن باب الذكاء والمهارة ألا يفوت أصحاب القرار في بلداننا هذه الثروة من الأفكار والاقتراحات والتوصيات... فتذهب هباء منثوراً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة أصحاب القرار يفوتون عليهم هذه الثروة



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon