بقلم:د. آمال موسى
يحتفل العالم يوم غد بمناسبة دولية مهمة هي اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وهو يوم يضعنا وجهاً لوجه أمام المنجز في مجال حقوق الإنسان وإلى أي مدى سجلنا تقدماً في إدراك وهضم ثقافة حقوق الإنسان التي هي ثقافة في انسجام وفي اختلاف مع الأنساق الثقافية العريقة.
اللافت أن منظمة الأمم المتحدة اختارت أن تنادي في هذه المناسبة بالمساواة في الكرامة بين جميع الناس. طبعاً قد يرى البعض في هذا النداء نوعاً من المثالية وهنا الرد سهل جداً: ثقافة حقوق الإنسان تدافع عما يجب أن يكون وعن حقوق الإنسان في أي مكان ومهما كانت وضعية الفرد، أي أنها ثقافة تنتصر للمبادئ.
الملاحظة التي توحي بالتفكير الاستراتيجي للمدافعين اليوم عن منظومة حقوق الإنسان هي تقديمهم لآليات تحقيق حقوق الإنسان وتجاوز مرحلة الخطاب التمجيدي من دون خطط وضوابط ملزمة للشعوب، وتحديداً النخب، بتحقيق هذه الحقوق. وفي الحقيقة فإن منظومة حقوق الإنسان هي أساس التموقع في العالم اليوم، أي أن الاندماج الناجح لأي دولة في العالم اليوم يُقاس وفق احترامها لحقوق الإنسان، وكلما كان واقع حقوق الإنسان متدنياً أو يشهد مشاكل، فإن ذلك يوصد أبواب العالم والدول المانحة. بمعنى آخر فإن الواقع الإيجابي لحقوق الإنسان هو جواز سفر اليوم نحو الحصول على الدعم والمناصرة متعددة الرساميل من العالم.
الجديد في المقاربة الأممية الراهنة هو تأكيد الخيط الناظم والحق الجوهري في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو المتمثل في الحق في المساواة في الكرامة، وأيضاً الذي بدأت تحفر فيه أكثر المقاربة الأممية هو ربط الاقتصاد بحقوق الإنسان وإظهار العلاقة العضوية بين تحقيق كرامة المواطنين من دون تمييز وبين أن يستند الاقتصاد الذي يطمح إلى عدم التمييز في الحق في الكرامة إلى مبادئ حقوق الإنسان.
تبدو في الظاهر المقاربة غير قوية الارتباط في طرحها، ولكن في جوهر الأمر فإنها في ارتباط منطقي ومنهجي عالي الدقة. ذلك أن الحق في التعليم والعمل والصحة والحريات العامة والخاصة كلها أساس حقوق الإنسان، ولكن هذه الحقوق الضامنة لكرامة الإنسان لا يتمتع بها جميع الناس. لذلك كانت الدعوة الأممية لهذا العام مركزة على المساواة في الحق في الكرامة. فالتوزيع العادل هو أفضل ما يمكن أن نقاوم به الفقر والتفاوت الطبقي بين الفئات الاجتماعية. بل إن الفكرة التي يجب أن تقال بكل وضوح وشجاعة تتمثل في أن الاقتصاد الذي يقوم على فكر حقوق الإنسان ويلتزم بمقولاته ويوفر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من دون تمييز فإنه حتماً سينتج مجتمعاً يعرف المساواة بين مواطنيه.
من هذا المنطلق، فإن الإضافة في هذه المقاربة تكمن في جعل حقوق الإنسان آلية من آليات التغيير الاقتصادي والاجتماعي وليس هدفاً من الأهداف التي يطمح لها الناس والشعوب التي تعاني من مشاكل في حقوق الإنسان. وبناء عليه فإن خريطة طريق التنمية والتقدم والتوزيع العادل للثروات وخفض نسب الفقر والبطالة والجوع أصبحت معروفة في أسسها على الأقل، أي أن التنمية التي تستند وتقوم في استراتيجياتها على تجسيد حقوق الإنسان بما تتضمنه من حريات عامة وحقوق أساسية هي حتماً ستضمن أوفر الحظوظ لتحقق المساواة في الكرامة.
طبعاً لا نستطيع أن نتحدث عن تناول مشترك وموحد في العالم العربي لمنظومة حقوق الإنسان، ولا نظن أن هذا التعدد في التعامل مع المرجعية الأممية لحقوق الإنسان يمثل نقطة سلبية، بل بالعكس قد يكون مصدر ثراء من منطلق اختلاف السياقات والتجارب.
ولكن في الوقت نفسه من المهم الإشارة إلى أن الخطاب حول حقوق الإنسان في كثير من مقولاته ما زال يدافع عن البعد المبدئي ويتبنى منهجية مرحلية في مقاربة عدم المساواة والتفاوت الطبقي، ونعتقد أننا سنحقق فارقاً قوياً في المعالجة لو نركز على تكلفة التمييز وعدم المساواة التي هي بصدد التراجع بحكم ديمقراطية التعليم والصحة التي قطعنا فيها في العالم العربي شوطاً مهماً.
لذلك نعتقد أن اعتماد مرجعية حقوق الإنسان، وتحديداً الحق في المساواة في الكرامة، من مقاييس تقويم المشاريع والمخططات الاقتصادية قد يساعد على نسج علاقة واضحة ومباشرة بين تحقيق التنمية والمساواة في الحق في الكرامة معاً.
من ناحية ثانية، فإن بعض الخيارات الدولية تمثل تهديداً للإنسان ومنها ما يتصل بتلويث البيئة الذي أدى إلى تغيرات مناخية أثرت بدورها سلباً في البيئة والطبيعة والصحة بشكل عام. فالحق في بيئة نظيفة وخالية من الأسلحة المدمرة للحياة قد بات من الحقوق المسلوبة اليوم. ورغم ما أظهرته الدراسات من تسبب الأسلحة الموصوفة بالمتطورة في ظهور أمراض مستعصية وفي تهديد الصحة بشكل خطير فإن المتسببين في خنق الطبيعة لا يعترفون بهذه الأفعال ولا أحد أيضاً يوجه لهم تهمة الاعتداء على حق الإنسانية في بيئة غير قاتلة وغير باعثة للأمراض.