توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس... فوبيا المحكمة الدستورية

  مصر اليوم -

تونس فوبيا المحكمة الدستورية

بقلم: د. آمال موسى

منذ أشهر طويلة وتونس تعيش على وقع أزمة سياسية حادة أثرت بشكل كبير في الوضع الاقتصادي ومستقبل الوضع المالي، خصوصاً أن التداعيات جعلت تونس تُصنف دولياً، ومن أطراف فاعلة في عالم الأسواق والاستثمارات، كدولة تسير بخطى حثيثة نحو الهاوية مالياً.
وفي الحقيقة، فإن مظاهر التأزم الاقتصادي واضحة من خلال تكلس معالجة معضلة البطالة، وتواصل تدفق التونسيين في قوارب الموت والهجرة السرية، وأيضاً تراجع المقدرة الشرائية وتأكد مؤشرات التضخم المالي وتدهور الأحوال المعيشية للطبقة المتوسطة، التي تمثل العمود الفقري للمجتمع في تونس.
وإذ نركز على الربط بين السياسي والاقتصادي؛ فلأننا حالياً لا نستطيع الحديث عن الأزمة السياسية في تونس الحاصلة بين مؤسسات الحكم الثلاث من دون الحديث آلياً عن تداعياتها الاقتصادية، وهذا حسب اعتقادنا مظهر مهم تفطنت إليه المؤسسات الدولية المالية، وجعلت من معالجة الأزمة السياسية التونسية شرطاً لا غنى عنه، ومقدمة ضرورية لدعمها مادياً، ومحاولة إيجاد حلول لتحريك عجلة الاقتصاد المعطلة، التي نقصد بها الاستثمار الذي لا يزدهر إلا في بيئة سياسية، من خصائصها الاستقرار.
ركزت النخب السياسية المعارضة في مقاربتها للأزمة السياسية على غياب المحكمة الدستورية، ورأت أن الأطراف الثلاثة عملت على تأجيلها، وها هي اليوم تحصد نتيجة سوء التكتيك السياسي الذي صور المحكمة الدستورية في شكل مؤسسة عليا ستسحب البساط من طرف حاكم لفائدة طرف حاكم آخر. وطبعاً، فإن مبعث هذه المخاوف هو عدم الثقة بين الطبقة الحاكمة في تونس، اليوم، وهي طبقة أفرزتها الانتخابات الأخيرة، وكانت متباينة ومختلفة الميول والمقاربات السياسية، الأمر الذي أدى إلى صعوبة التعايش السياسي والعمل معاً، طبقاً لنتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وكي نفهم مشكلة المحكمة الدستورية في تونس، ولماذا يكثر الحديث عنها، من المهم التذكير ببعض المعطيات البسيطة الدقيقة التي تؤكد لنا فكرة غياب الإرادة السياسية لإحداث هذه المحكمة، إضافة إلى أن الفتور الملاحظ إلى درجة تعطيل إرسائها والعمل على جعلها مسألة مؤجلة يطرح بدوره مجموعة من الأسئلة التي تكافح عدم براءة ما يجري، ناهيك بالحسابات قصيرة المدى.
وتتمثل المعطيات التي تساعدنا في فهم ضعف الإرادة السياسية لتكوين المحكمة الدستورية في أن الدستور الذي تم إقراره في نهاية سنة 2014 نص على ضرورة بعث محكمة دستورية في غضون سنة من ذلك التاريخ. ولكن ها هم التونسيون يتجاوزون الأعوام الستة من دون إحداث هذه المحكمة، وهو تقاعس مسيّس واضح يعكس غياب الإرادة السياسية لذلك.
وبناء على أن أهمية أي مؤسسة هي في ارتباط عضوي مع أهمية وظيفتها، فإن المحكمة الدستورية تتسم بكونها الوحيدة المخول لها مراقبة دستورية مشاريع القوانين من جميع الأطراف الحاكمة، وأيضاً تراقب المعاهدات والقوانين والنظام الداخلي للقوانين. وكي ندرك أهمية وظيفة المحكمة الدستورية يكفي الإشارة إلى أنها أعلى من الدستور، وهي الحافظة له والضامنة لحسن تطبيقه، من دون أن ننسى أن الدستور بشكل عام عادة ما يُعرف بأنه أعلى سلطة تشريعية، وأنه أعلى من كل القوانين والتشريعات. لذلك هناك دائماً حرص على التدقيق فيما يسمى بدستورية القوانين؛ إذ لا معنى لأي قانون لا يتماشى مع فصول الدستور وبنوده.
من ناحية أخرى، وكي نعرف الحاجة التونسية الأكيدة لتكون هذه المحكمة، فإن التجربة السياسية في تونس من تاريخ إقرار الدستور إلى اليوم، أي على امتداد قرابة السبع سنوات، أظهرت أن هذا الدستور ينطوي على ثغرات، وتنعدم الدقة في بعض البنود، وعدم وضوح البعض منها أيضاً. ولقد أشعلت هذه الثغرات جدلاً تشريعياً تباينت فيه قراءات المختصين في القانون، وهي تباينات تعكس أن بعض البنود قابلة للتأويل، خلافاً لما يقتضيه القانون من دقة ووضوح متناهيين.
قد نتساءل: ما الذي يربط بين الأزمة السياسية وإنشاء المحكمة الدستورية؟
في الحقيقة الرابط قوي جداً، لأن الأزمة السياسية التي انطلقت منذ أن رفض رئيس الدولة التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة، وعبر عن رفضه من خلال منع أداء الوزراء اليمين الدستورية أمامه، كما ينص على ذلك الدستور، قبل تسلمهم الحقائب الوزارية، هو خلاف دستوري محض، ولو كانت المحكمة الدستورية موجودة لتم تجاوز هذه الأزمة، ولفرضت المحكمة قرارها على الجميع، خصوصاً أنه في ضوء غياب هذه المحكمة فإن رئيس الدولة هو المخول بحماية الدستور ومراقبته، وهو يقدم القراءة الدستورية التي يراها مناسبة، من دون أن ننسى أنّه في الأصل أستاذ جامعي مختص في القانون الدستوري.
من جهة أخرى، فمن الواضح أن بعض الأطراف السياسية الفاعلة بدأت تُدرك أنّها الخاسرة الأولى بغياب المحكمة الدستورية، وهو ما يؤكده التوصل إلى المصادقة على تنقيح القانون الدستوري للمحكمة الدستورية الأسبوع الماضي.
حالياً تنقيحات القانون الدستوري للمحكمة الدستورية فوق طاولة رئيس الجمهورية، في انتظار الختم عليها: فهل الرئيس سيختم ليتم بعث المحكمة الدستورية أم أنه لن يفعل تخوفاً من أن تكون المحكمة تابعة لأحد الطرفين الحاكمين، ومن ثم تجد مؤسسة الرئاسة نفسها لا حول لها ولا قوة؛ باعتبار أن الدستور لا يمنحها من الصلاحيات إلا القليل، من منطلق كون النظام المعتمد في تونس حالياً هو النظام البرلماني؟
هناك حالة فوبيا من المحكمة الدستورية قبل إنشائها، وكل طرف يعتقد أنها ستكون ضده وستضعفه. بمعنى آخر، فإن الصراع السياسي انعكس على المحكمة الدستورية وبلغ حد شيطنتها قبل أن تُقام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس فوبيا المحكمة الدستورية تونس فوبيا المحكمة الدستورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon