توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كسر العظام

  مصر اليوم -

كسر العظام

بقلم : آمال موسى

ما يحصل في تونس منذ أسابيع من معركة كسر عظام يبدو أن المستهدف فيها أولاً وأخيراً البلد نفسه بما يعنيه من استقرار وتنمية. فالصراع على قيادة سفينة في ذروة العواصف والأمطار والرياح العاتية ليس بالفعل العقلاني بشكل عام ولا بالسلوك السياسي، وذلك من منطلق أن السياسة هي فن إدارة الواقع والممكن.

فلماذا اللجوء إلى كسر العظام وكل شيء وطنياً ودولياً يدعو إلى جبر ما يمكن جبره؟
سنبدأ من السبب المباشر: إنه التحوير الوزاري الذي قام به رئيس الحكومة السيد المشيشي الذي لن يصبح سائر المفعول دستورياً - أي التحوير الوزاري - إلا عندما يؤدي الوزراء الجدد اليمين أمام رئيس الجمهورية. ولكن رئيس الدولة التونسية السيد قيس سعيد رفض أن يؤدي بعض الوزراء اليمين، مبرراً ذلك بتعلق شبهات فساد بالبعض منهم وأيضاً غياب العنصر النسائي عن التحوير. والمشكل في أن الرفض الرئاسي صلب وغير قابل للتفاوض، ومن الجهة المقابلة فإن رئيس الحكومة مصرّ على تحويره ورافض لتغيير الوزراء موضوع المعركة، وقام بمراسلة المحكمة الإدارية لإيجاد حل للأزمة الموصوفة بالدستورية، ولقد أجابت المحكمة الإدارية بأن الموضوع ليس من مشمولاتها.
طبعا هنا نُذكر أن المحكمة الدستورية معطلة ولم تحظَ بإرادة سياسية تدفع بتشكيل أعضائها، مما يعني أنه إلى حد الآن لا توجد محكمة دستورية في تونس يتم اللجوء إليها لحل المشاكل ذات الصلة بالدستور، خصوصاً أن هذه السنوات الأخيرة، أي مرحلة ما بعد كتابة الدستور التونسي الجديد، أظهرت أن بنوداً عدة منه تفتقد الدقة، وهناك إجابات دستورية غائبة ولم يُفكر فيها.
السؤال الذي ربما يُضيء شيئاً من معركة كسر العظام: هل كان التحوير ضرورة سياسية ملحة عاجلة؟
وكي نفهم هذا السؤال أيضاً من المهم التذكير ببعض المعطيات التي من أهمها أن رئيس الحكومة الذي اختاره الرئيس لتشكيل حكومة وكي يضمن التصويت بالأغلبية على حكومته، فإنه قدم التزامات بأنه سيقوم بتحوير وزاري يقيل فيه الوزراء التابعين لرئيس الدولة، ومنهم وزير الداخلية الذي كان رئيس الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد. وقد راجت مثل هذه الوعود في وسائل الإعلام التونسية آنذاك، وجاء الرد من الرئاسة واضحاً وهو أنها لن تسمح بذلك.
ولكن تحت ضغط الأحزاب الأكثر تمثيلية في البرلمان، وهي حركة «النهضة» وحزب «قلب تونس» الذي تم إيداع رئيسه السجن وأيضاً حركة «ائتلاف الكرامة»، فإن رئيس الحكومة قام بتحوير وزاري في بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي مبادرة علاوة على ما تمثله من تحدٍّ للرئاسة فإن اختيار التوقيت كان صادماً سياسياً، لأن شهر يناير في تونس هو شهر الاحتجاجات والاستنفار الشعبي من أيام زمن بورقيبة وأحداث الخبز الشهيرة. وإضافة إلى ذلك فإنه على امتداد شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) الماضيين، والشارع يعج بالاحتجاجات الشبابية في مختلف المحافظات. بمعنى آخر، فإن التوقيت الذي اختاره رئيس الحكومة لإجراء التحوير الوزاري وإقالة الوزراء الذين كانت ضد وجودهم في الحكومة الأحزاب الأكثر تمثيلية المشار إليها هو توقيت غير مناسب بالمرة ويفتقد الرؤية السياسية. وهنا في الحقيقة نجد أنفسنا أمام فكرة أخرى مفادها أن اختيار التوقيت مقصود، ومن ثم فإن إشعال معركة كسر العظام مقصود أيضاً، وهي فكرة يمكن تبنيها إذا صدق الكلام الذي يروّج في الكواليس، وبدأ البعض يصرح بها إعلامياً حول سحب الثقة من رئيس الدولة، وهو أمر يعد سابقة خطيرة ويكشف عن نية واضحة لإظهار الرئيس في صورة المشكلة.
وبشكل عام ومن دون التيه في التفاصيل والتكهنات، فإن ما تعيشه تونس اليوم هو نتاج ما أفرزته الانتخابات التشريعية من مشهد مشتت ومتنافر، الأمر الذي جعل من التوتر سمة ثابتة، ما فتئت تتراكم وتكبر. فلا توجد إرادة للتعايش والعمل سياسياً بقدر ما هناك دفع بالواقع السياسي إلى الصراع وإزاحة الطرف المعطل حسب مصلحة كل طرف.
ولعل الخوف الكبير هو أن الفشل في حل المشاكل بين الرئاسة والحكومة والبرلمان بصدد التحول إلى مرحلة التجييش السياسي للشارع، وهي معركة سيخسر فيها الجميع حتى من يدعي الشعبية والقاعدة الواسعة من الأنصار، وذلك لأن مثل هذا الخيار يضرب وظيفة مؤسسات الدولة وينشئ ثقافة شعبية تهمش الدولة ومؤسساتها، وهي ثقافة تهدد كل النخب التي ستحكم حاضراً ومستقبلاً.
قد يتساءل البعض: لماذا لا يتراجع رئيس الحكومة عن تعيين الوزراء موضوع الخلاف ويتم تجاوز هذا الصراع والاهتمام بمشاكل الوطن الصحية والتنموية؟
الجواب هو أن التراجع يعني أن الرئيس كسر عظام الأحزاب التي دفعت برئيس الحكومة لرفع مثل هذا التحدي في التوقيت السيئ. وأمام عزم الأطراف على كسر العظام، فإن الواضح أن المجهول حول خفايا الزج بتونس في هذه المعركة أكثر بكثير من المعلوم، لأن ما يحصل لا ينطبق عليه إلا تفسير كونه مجانياً أو أنه مقصود من أجل إعادة ترتيب البيت السياسي التونسي وفق مصالح تبدو حالياً مجهولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كسر العظام كسر العظام



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon