توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التآمر المزدوج

  مصر اليوم -

التآمر المزدوج

بقلم : آمال موسى

يفسر الكثيرون ما تعيشه المجتمعات العربية والإسلامية من توترات وتخلف وجمود حضاري استناداً إلى ما بات يُعرف بنظرية التآمر. ويتراوح التعامل مع هذا التفسير بين النفي والاستنكار والتبني المطلق. أي أنّ هناك من يستخف بالتفسير التآمري على العرب والمسلمين ويرى أنه ذريعة الضعفاء ومن لا حول لهم ولا قوة، ومن يتوهمون أنفسهم ضحايا والحال أنّهم وحدهم من يتحمل التقهقر الذي بلغوه مع سبق الإصرار والترصد.
وفي مقابل النخبة الرافضة لنظرية التآمر نجد نخبة تؤكدها وتقدم البراهين حول سعي الآخر لعرقلة تطور العالم العربي وتكبيله بشتى القيود، كي يظل في المرتبة الدونية نفسها في مجال التقدم، ويرتكز موقفهم حول فكرة صلبة مفادها أن مصلحة الغرب لا تتماشى مع حدوث مظاهر نهضة في بلداننا؛ لأن ذلك يعني التحول إلى بلدان قوية، وهو بدوره ما يتعارض جملة وتفصيلاً مع مصالح العالم التي بنيت على الدفاع على دولة إسرائيل وعلى تقليم أظافر الحضارة العربية والإسلامية لتظل هامشية.
وكما نلاحظ فإن هذين التفسيرين والموقفين يتميزان بالإطلاقية والصلابة من حيث الفكرة. ولقد رأينا على امتداد قرن أو أكثر كيف أن كثيرا من الكتابات الفكرية حامت حول إثبات ما يتعرض له العالم العربي والإسلامي من مؤشرات ومظاهر تآمر تهدف إلى إضعافه وتعميق أسباب الضعف المختلفة، وأيضاً كتابات أخرى مارست نوعاً من النقد الذاتي واختارت النبش والحفر في العوامل الذاتية لحالة الجمود الحضاري العربي والإسلامي، وهو ما يعني صراحة أن المهيمن على الفكر العربي المنتج هو هذه المسألة حتى وإن بدت لنا بعض الإشكاليات بعيدة ظاهرياً.
من هذا المنطلق يبدو لنا أنه بعد عقود من التجاذب بين هذين التفسيرين قد حان الوقت كي نقوم بعملية تعديل تنتج لنا قراءة مختلفة لمسألة التآمر، وذلك في ضوء مراجعة موضوعية وعقلانية متحررة من مبالغات الآيديولوجيا وما تنشره من تعصب يؤدي إلى تفسير غير موضوعي، ومن ثم فهو تفسير يزيد في حالة اللافهم ويمد في أنفاس الأزمات العربية ويطيل في العقول أعمار الأوهام التي أضحت مقدسة من فرط الاعتقاد بها. فكل تفسير غير دقيق ويفتقد الموضوعيّة هو في الحقيقة تفسير خاطئ ولا يمكن الاعتماد عليه أو الوثوق به.
ويتمثل تعديل مقاربة التآمر في الاعتراف بما تضمنه التفسيران معاً، وهو ما يقودنا إلى تبني تفسير ثالث ينهل من التفسيرين المشار إليهما، ولكنه يمتاز عليهما بالدقة والموضوعية وبمزيج من الاعتراف والنقد معاً.
فنحن فعلاً نتعرض منذ عقود طويلة إلى مؤامرة تهدف إلى منع تشكل أسباب التقدم في الفضاء العربي الإسلامي وجعل الإمكانيات التي نمتلكها تستثمر في غير صالحنا. ولكن في الوقت نفسه فنحن أيضاً منذ قرون ونحن نتآمر على الذات العربية الإسلامية وفعلنا كل ما في وسعنا حتى لا نتقدم، وفشلنا في استثمار عناصر قوتنا وسقطنا في فخ التفرقة بين دولنا مما أدى إلى التفكك والتجزئة. بمعنى آخر نحن من سرّع في تأخرنا ومن جعل حجم التأزم كبيراً وعميقاً.
طبعاً هناك من يعتقد جازماً أنه حتى لو نجحنا ولم نتفرق وحافظنا على وحدتنا فإننا لن نبلغ أي هدف والقوة ممنوعة علينا؛ إذ إنه منذ تاريخ وعد بلفور فإن تشكيل العالم وتحديد موازين قواه لا يسمح بتشكل قوة عربية إسلامية.
وفي الحقيقة وبشكل عقلاني محض ما كان لإسرائيل أن تحقق ما تحصلت عليه من قرب من الولايات المتحدة ومن مكاسب دولية ومن قيام الدولة الإسرائيلية وحصدها الاعترافات وفرض نفسها أمراً واقعاً بالقوة إلا بإضعاف الطرف العربي وجعل وزنه خفيفاً وغير مؤثر فيما سمي النزاع العربي الإسرائيلي. وهنا نستحضر فقط الوضع العربي منذ حرب الخليج الأولى وكيف مثلت هذه الحرب بداية الإضعاف الحقيقي، حيث استندت إلى إضعاف الدول الإقليمية دولة دولة وتحويلها من دولة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط إلى دولة منشغلة بمشاكلها الداخلية وانهياراتها، وفجأة أصبحت المشاكل العرقية والمذهبية تستحوذ على كل الطاقة والجهد في اللحظة التي كان فيها الآخر يطور العمران والاقتصاد.
وفي السياق نفسه لا يخفى الحصار الذي يعاني منه العلم وكيف أن الأبواب لا تفتح إلا للنوابغ الذين يختارون تقديم نبوغهم لمراكز الأبحاث والجامعات العالمية مما يقطع الصلة بينهم وبين إمكانية استفادة بلدانهم من علمهم. فحتى في العلم ممنوع تجاوز الخطوط الحمراء!
كل هذا صحيح وتؤكده الأحداث.
ولكن صحيح أيضاً أننا سقطنا في الفخاخ بسبب قصر نظرنا وكان لدينا قابلية وعدم مقاومة لما يراد لنا من تقهقر، أي أننا ساعدنا الآخر كي يبلغ الأهداف التي هي ضدنا وليست في صالحنا. بل إن التآمر الذاتي أشد بأساً من تآمر الآخر. وكل نجاحات الخصوم حجماً وقيمة هي من نتاج تآمرنا على ذاتنا.
لذلك فأول الطريق للخلاص من التآمر المزدوج وتداعياته العاصفة هو التوقف عن التآمر الذاتي أولاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التآمر المزدوج التآمر المزدوج



GMT 05:26 2022 الأربعاء ,17 آب / أغسطس

حول التعديل الوزارى

GMT 19:15 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

هل بقيت جمهوريّة لبنانيّة... كي يُنتخب رئيس لها!

GMT 02:24 2022 الخميس ,09 حزيران / يونيو

لستُ وحيدةً.. لدىّ مكتبة!

GMT 19:37 2022 الأحد ,05 حزيران / يونيو

البنات أجمل الكائنات.. ولكن..

GMT 01:41 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

سببان لغياب التغيير في لبنان

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon