توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس والموقف من التطبيع

  مصر اليوم -

تونس والموقف من التطبيع

بقلم: د. آمال موسى

لا شك في أن طرح مسألة التطبيع وصولاً إلى تحديد موقف واضح وصريح ومن ثم تبنيه، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات الموقف مهما كان في الداخل والخارج، يظل في بلداننا العربية والإسلامية من منظور البعض مسألة ليست بالسهلة، وأقصى الحكمة السياسية الحد من الخسائر مادياً ورمزياً. ولكن مع ذلك فإن مفهوم الصعوبة هذه يختلف من بلد إلى آخر، وهنا تتدخل عوامل عدة لتحديد حجم الصعوبة.
وكي نكون أكثر إيضاحاً، فإن مسألة التطبيع تتحدد بالأساس في جانبه الإعلاني، وأيضاً ما ينطوي عليه من طموح في التوسع في المصالح، واستفادة إسرائيل من إيجابيات العلاقات المعلنة بينها وبين الدول العربية اقتصادياً واتصالياً وحتى على مستوى التنقل. وحالياً نؤكد فوز إسرائيل النوعي من خلال بلوغ مرحلة العلاقات العلانية؛ لأن هناك من الدول العربية ما لديها علاقات محدودة وغير معلنة مع إسرائيل، أي أن إسرائيل في طور المطالبة – إن جاز التعبير - بإشهار الزواج علناً. لذلك فإن مفهوم التطبيع مع إسرائيل اختلف عن معناه في حقبة الستينات والسبعينات؛ إذ المقصود بشكل أساسي هو في هذه الحالة ليس إقامة العلاقات؛ بل إعلانها.
في الأشهر الأخيرة مثَّل موضوع التطبيع مع إسرائيل بنداً أساسياً في الأحداث التي ميزت العام الذي غادرنا. ومنذ أن أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل، فإن القلق من المجهول بدأ يدب في المجتمع التونسي. إذ ساد شعور بأن إسرائيل على الأبواب، ولحظة المواجهة الحاسمة لمسألة التطبيع اقتربت أكثر من المتوقع.
هذا الشعور الذي هيمن على الرأي العام التونسي له ما يبرره. فلقد تم تجاوز مرحلة إعلان الموقف الرافض من دون أن يكلف ذلك أي ضغط. بمعنى آخر فإن هذه القضية تضع تونس اليوم على المحك فعلاً لا قولاً.
أولاً، دبلوماسياً، لطالما أعلنت تونس دعمها غير المشروط والمبدئي للقضية الفلسطينية، وهو إعلان حسب تقديرنا لا تتميز فيه تونس وحدها.
ثانياً، مما زاد في شدة هذا الشعور بالقلق أن الرئيس التونسي الحالي ركز في حملته الانتخابية على رفض التطبيع، ولا نبالغ إذا قلنا إن فوزه على منافسه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كان مرده إلى حد كبير موقفه من القضية الفلسطينية.
لكن الملاحظ أيضاً أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية التونسية اعتمد لغة مختلفة عن لغة الحملة الانتخابية؛ حيث عبَّر البيان عن عدم تدخله في خيارات الدول الأخرى من قضية التطبيع على أساس أنها مسألة سيادية.
ومع ذلك، فالقضية هنا هي: هل تونس قادرة على التشبث بالموقف نفسه فعلاً؟ أم أنها تنتظر مفاوضات تكسب منها صفقة لصالحها؟
يبدو لنا أن الحديث عن صفقة بين إسرائيل وتونس من المسائل الصعبة حالياً، وذلك لحالة الانشقاق السياسي وغياب وحدة وطنية سياسية تجابه بروح واحدة الملفات المصيرية. فالمؤسسات الثلاث الحاكمة؛ الرئاسة والحكومة والبرلمان، في حالة من التقاطع وعدم التناغم، والمشهد السياسي لم يستقر بعد، ومن الصعب رؤيته أنه سيستقر في القريب.
إذن، تونس في لحظة سياسية مشتتة وغير مستقرة، فضلاً عن تأزم اقتصادي متراكم من سنوات، زادته جائحة «كورونا» عمقاً. أي أن الوضع السياسي والاقتصادي يجعلان منها حالياً دولة ضعيفة. والصفقة الوحيدة الممكن القيام بها إذا ما تم تبني الواقعية السياسية، فهي تقديم إسرائيل وحلفائها الكبار الأقوياء في العالم لتونس امتيازات مالية، وإسقاط ديونها المتراكمة، وغير ذلك، مع العلم أن تشتت العقل السياسي التونسي حالياً، كما يراه المراقبون، لا يسمح برفض التطبيع ولا بقبوله.
من ناحية أخرى، من المهم الإشارة إلى أن المغرب أعلن التطبيع على أثر إعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي قضية وطنية في المغرب وغير قابلة للنقاش، ناهيك عن كونها سبب خلاف بين المغرب والجزائر.
ماذا يعني التوقف عند الخلاف المغربي الجزائري في هذا السياق؟
يعني بكل بساطة أنه إضافة إلى التوجه التونسي العام إزاء التطبيع، فإن الانحراف عن موقف الجزائر غير وارد؛ لأن العلاقات بين تونس والجزائر انبنت على التواصل العضوي الدائم. تونس تحتاج إلى الجزائر، وإلى دعمها، وتحتاجها أكثر في مسألة الإرهاب، إذ تستمد قوتها من الدعم المخابراتي الجزائري. لذلك فإن التطبيع في حالتنا هذه قد يكلف تونس.
إن التطبيع يمر وجوباً بالجزائر، ولكن إسرائيل اختارت مرحلياً المغرب؛ لأنه كان لا بد من الجزائر أولاً أو المغرب أولاً، وبحكم اعتبارات عدة كان المغرب هو البداية.
وهنا نتساءل: هل التطبيع في المغرب العربي قدَر؟ وكم سيمنح القدَر تونس من الوقت أكثر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس والموقف من التطبيع تونس والموقف من التطبيع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon