توقيت القاهرة المحلي 22:36:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

  مصر اليوم -

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

بقلم - د. آمال موسى

كلما كانت الذاكرة الجمعية غنية بالأحداث والشخصيات والمعاني والرموز أثبت المجتمع تجذره في التاريخ والفعل والوجود، ذلك أن جزءاً من عظمة المجتمعات يكمن في تاريخها.
غير أن العلاقة بالذاكرة بقدر أهميتها فإنها تحتاج إلى حكمة وعقلانية ومعالجة وعلاج.
طبعا لا شك في أن توظيف الذاكرة مظهر إيجابي ومهم. والمجتمعات التي لا تهمل ذاكرتها وتعتني بها هي مجتمعات جديرة بالاحترام والتقدير لأنها تحمي في جزء منها. بل إن الذاكرة المجتمعية والوطنية بما تحمله من رأسمال رمزي فهي مورد من موارد الاستثمار المتعدد الأهداف والمجالات.
في هذا السياق نشير إلى أن المجتمعات العربية بحكم عراقتها في الحضارة الإنسانية فإننا أمة تمتلك ذاكرة غنية وثرية. وكل بلد على حدة له ذاكرة مخصوصة تمكنه من القيام بعمليتي الاستثمار والتوظيف المطلوبتين.
من المهم الإشارة إلى أن الذاكرة الغالبة في بلدان عربية إسلامية عدة هي المتصلة بمعارك التحرير الوطني التي تمثل الذاكرة الأكثر قرباً تاريخياً وأيضاً هي الذاكرة الأكثر قابلية للتوظيف في شتى المواقف. ويكاد لا يخلو أي مقرر بيداغوغي في المدارس العربية اليوم من تفاصيل مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني بكل تفاصيلها.
السؤال اليوم هو حول منهجية التصور الذي يجب أن نبنيه مع الذاكرة الوطنية. فالأمر مهم جداً ومورد ثراء واستثمار، ولكن إذا لم يحظَ بمنهجية حكيمة وعقلانية فإن الاستثمار في الذاكرة يمكن أن يتحول إلى مورد للسلبية والاحتقان. فالحكمة تقتضي أن يتم استدعاء الذاكرة على نحو يخدم الحاضر والمستقبل مع قدرة على التركيز وتقديم ما يندرج ضمن الأهداف المرجوة ويؤسس لتفاعلية إيجابية. ليس المقصود من الحديث عن الحكمة والعقلانية في استحضار الذاكرة الوطنية تزييف الوقائع ولكن التركيز على أن كل ما يؤسس للقطيعة لا يمكن أن يكون في صالح أي طرف.
إن الإمعان في التفاصيل الموجعة في الذاكرة الوطنية قد يمثل أداة تنفيس للأجيال التي عايشت ويلات الاستعمار ودفعت من أجسادها وفلذات أكبادها كثيرا من الألم والقهر، ولكن هل الإمعان في استحضار الأوجاع وتصوير البشاعة الاستعمارية يمكن أن يساعد الأجيال الشابة العربية على الحوار مع الآخر وبناء هوية صحية متوازنة باعتبار أن الإمعان ينتج هوية غير صحية في حالة احتجاج مستمرة وتبني علاقات مأزومة؟
طبعا ليس المقصود محو البشاعة من التاريخ. فالتاريخ يكتب بتفاصيله وبكل ما فيه من قبح إذا كان القبح واقعاً، وهذا مجاله الكتب التي يتعاطى معها المختصون والذين يمتلكون أدوات الفهم والمقاربة والتقويم. في حين أن المعلومات والصور نفسها عندما يتم توظيفها في أطر مفتوحة للجميع على غرار وسائل التواصل الاجتماعي فهي ستنحرف من مجال العرض التاريخي إلى مجال آخر.
فالفرق بين سرد التاريخ وبين الإمعان في سرد المناطق الموجعة البشعة كبير جداً.
ولا يفوتنا أن الشباب مرحلة عمرية حساسة وخطيرة جداً؛ إذ إنه في هذه المرحلة العمرية يتم بناء الهوية الذاتية والجمعية وكلما كانت عملية البناء مشحونة بالأوجاع والصور السلبية كانت هوية الشباب مليئة بالتعثرات والهشاشة. وفي هذا السياق تحديداً بشكل خاص فإن انتداب ملايين الشباب العربي والمسلم قد وظف الأرضية النفسية الحاملة لاستعدادات معاداة الآخر تماماً كما تم توظيف الهشاشة الاقتصادية للشباب الذي وقع في فخ تجار الموت.
فالعملية خطيرة وتحتاج إلى انتباهة ووقفة تأمل؛ فنحن قبل أن نستغرب ونصاب بالصدمة من انحراف الشباب إلى الإرهاب والعنف من المهم أن نقوم بعملية نقدية صريحة معمقة حول دور مضامين الخطاب الثقافي العام والخطاب البيداغوغي التربوي في مادة التاريخ وإلى أي مدى تسهم هذه المضامين في إنتاج شباب متأزم حضارياً ووارث لأحقاد تمنعه من المضي قدماً في بناء هوية متصالحة مع الواقع والحاضر.
يبدو لنا أن قيمة سرد الذاكرة في إظهار مظاهر الصمود التي تؤصل للهوية ولا تكمن هذه القيمة في التركيز على ما تمت معاناته إلا من زاوية تثمين المنجز التاريخي من ناحية الحفاظ عليه والبناء عليه. فبين استعراض بطولات الأجداد وصمودهم وبين تشكيل نفسية انتقامية شعرة واحدة.
نحتاج فعلاً إلى علاقة قوامها الحكمة والعقلانية وإلى الاستثمار فقط في الإيجابي وفيما يسهل التعامل مع الذات والآخر ويسهم في بناء علاقات قادرة على التّجاوز والبناء والاستئناف. فالذاكرة تعتمل بكليتها بشكل تلقائي وطبيعي وعند قرار توظيفها، فمن مصلحة الشعوب والنخب المتعلقة بالمستقبل وبالحوار وبالتواصل بدل القطيعة أن تستثمر في صمود الأسلاف وبطولاتهم وتسرد الأوجاع من باب إظهار التضحيات وتثمين الدماء التي نزفت وليس من باب يمكن أن ينحرف إلى بناء هوية معطوبة.
إن الذاكرة مورد قوة، ومهما كانت الأحداث العاصفة داخلها وقدرة النخب الفكرية والفنية والثقافية تظهر في جماليات التوظيف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon