توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطبقية الخطيرة المسكوت عنها

  مصر اليوم -

الطبقية الخطيرة المسكوت عنها

بقلم:د. آمال موسى

في أذهاننا أن الطبقية مادية فقط. بمعنى أن الطبقية هي التي تميز بين الأغنياء والفقراء. ولكن هل فعلاً الطبقية هي مفهوم مادي محض؟

إن التمعن في طبقات معنى الطبقية يقودنا إلى أبعاد أخرى يتوفر فيها معنى التمييز، وقد يكون يستجيب لمقومات فكرة الطبقية أكثر حتى من الطبقية بمعناها المادي. أليس تقسيم الناس اليوم إلى متعلمين وأميين نوعاً آخر من الطبقية المعرفية المقيتة، وأليس الأشد قسوة هو تداعيات الطبقية المادية ونفيها؟

ما شعور شاب فقير متحصل على شهادة جامعية وقارئ للمتنبي والمعري وابن رشد ومسكويه ونيتشه وسارتر وغيرهم من علماء العلوم الطبيعية والتجريبية والإنسانية والاجتماعية؟ وأفترض أنه قابض على أهم مورد من موارد الثراء. بل إنه مؤهل للخروج من طبقة إلى أخرى واكتساب أسباب الكرامة والفرص الاقتصادية الجيدة. إذن الثراء شعور وواقع معاً.

لذلك؛ فإن الطبقية الأكثر ايلاماً هي الطبقية المعرفية وهي ذات دلالة مضاعفة أولاً؛ لأن اكتساب العلم والمعرفة والتمكن من القراءة والكتابة هي مفاتيح تحقيق الذات والانخراط في البيئة الاجتماعية والعالم، إضافة إلى أن التعلم هو أهم ما يميز الإنسان، الأمر الذي يجعل من الأشخاص الذين يحرمون من الحق في التعلم ويقضون حياتهم في حالة أميّة في زمن الجامعات الضخمة، ويوصفون بالتلاميذ والطلاب ما يجعلهم أقل تحققاً إنسانياً وأقل استثماراً لملكة العقل التي تميز الإنسان عن سائر الكائنات.

في الحقيقة إن الحديث عن الطبقية المعرفية التعليمية ليس في مستوى الحديث عن الطبقية المادية من حيث الكم أو حتى النوع. وهو ما يعني أن مثل هذه الطبقية الخطيرة شبه مهملة.

سنبسط الفكرة أكثر: إننا نتحدث عن الأمية وهي مشكلة كبرى لم تستطع الإنسانية التي غزت عالم الفضاء وقطعت أشواطاً مذهلة في العلم والاكتشافات أن تقضي عليها تمام القضاء.

لا شك في أن العالم متفطن إلى هذا الكابوس ومن سنة 1967 والعالم يُحيي بشكل منتظم اليوم الدولي لمحو الأميّة، ولكن مع ذلك فإنها لم تمحَ. طبعاً نحن هنا لا نتحدث عن الأميّة الجديدة المتعلقة بالرقمنة بل لا نزال في المستوى الدلالي الأول والمباشر لمعنى الأمية والمقصود بها التمكن من القراءة والكتابة. وباعتبار أن العالم سيحيي هذا اليوم الدولي بعد غد الأحد فإنه من المهم التذكير بأن 771 مليون شخص من الشباب والكبار غير ملمين بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة حتى يومنا هذا.

وكما ترون، فالمشكلة كبيرة جداً، وهي سبب مانع حقيقي لتحقق الكرامة الإنسانية وأهم عقبة أمام التنمية. ففي لحظة تاريخية تتقلص فيها حظوظ شاب صاحب شهادة جامعية لكنه لا يتقن الإعلامية واللغة الإنجليزية، فكيف سيكون حال شباب لا يمتلكون أبجديات القراءة والكتابة؟

ولا نجادل التحليل القائل إن الطبقية المادية هي منتجة لأشكال شتى من الطبقية، ومنها التعليمية والمعرفية، باعتبار أن حظ الفقراء من المعرفة أقل من الأغنياء، بخاصة أن مرحلة مجانية التعليم بالشكل الذي كانت عليه في الستينات والسبعينات والثمانينات تقريباً هي في خطواتها الأخيرة من الانقراض. فالفقر عقبة أمام كل شيء بما في ذلك التعليم الجيد واكتساب اللغات.

غير أن إعطاء الطبقية التعليمية حيزاً واضحاً في نقاشاتنا ومداولاتنا من شأنه أن يأخذنا إلى الشكل الأكثر خطورة من أشكال الطبقية ذات التداعيات السيئة على المستقبل، وقبل ذلك الحاضر.

ومن المؤسف أن الأمية لا تمس كبار السن أو الكهول فقط، بل إن خطورتها تكمن بالأساس في كونها تشمل فئات عمرية اجتماعية تمثل القلب النابض للمجتمع ولمستقبله، حيث إن نسبة الأطفال في عمر العشر سنوات الذين لا يمكنهم قراءة نص بسيط وفهمه قد ازدادت وانتقلت من 57 في المائة سنة 2019 إلى 70 في المائة سنة 2022، وهو ما يعمق من حدة هذه المشكلة من منطلق أن الأجيال القادمة مصابة في جزء منها بداء الأمية.

طبعاً من المفارقات أن يجمع الزمن الحضاري ذاته بين أمية ملايين من البشر وقنبلة الذكاء الاصطناعي.

السؤال: إلى أي حد فعلاً في سنة 2030 لن يظل أحد خلف الركب في ظل الأرقام المشار إليها والجهود المنخفضة الوتيرة المبذولة بحكم ما يعصف بالعالم اليوم من أزمات ومشكلات من كل لون ورائحة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطبقية الخطيرة المسكوت عنها الطبقية الخطيرة المسكوت عنها



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon