توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس والعودة إلى نقطة الصفر

  مصر اليوم -

تونس والعودة إلى نقطة الصفر

بقلم: د. آمال موسى

قبل عشر سنوات، وفي مثل هذا الشهر تحديداً، انطلقت الاحتجاجات في المناطق المهمشة اقتصادياً في تونس، وذلك تفاعلاً واستثماراً لحادثة حرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه آنذاك.
كان ذلك يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وهو ما جعل كثيرين في تونس يؤرخون للثورة بتاريخ حادثة الحرق الصادمة، وليس يوم 14 يناير (كانون الثاني) 2011 تاريخ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
طبعاً موضوعنا ليس الخلاف الشعبي التونسي حول أي التاريخين أكثر تعبيراً عن الثورة، بل إن السؤال الذي يفرض نفسه حالياً هو: في أي نقطة تونس اليوم بعد مرور عشر سنوات على حدوث الثورة؟
تشهد تونس منذ أسابيع تحركات احتجاجية في أكثر من ولاية، وعلى رأس هذه الاحتجاجات ما سميت «مشكلة الكامور» ذات الصلة بملف الفوسفات المعطل منذ سنوات على خلفية احتجاج أهالي المنطقة وإصرارهم على تلبية الحكومة مطالبهم التي لم تفِ بها الحكومات السابقة. وكما نلاحظ، فإن الاحتجاج انحرف عن مسار الاكتفاء بالبحث عن الاعتراف، بل إنه أصبح انشقاقاً واضحاً ومتزايد الوتيرة والنبرة، باعتبار أنه يتضمن تعطيلاً لمؤسسات الدولة وحرمان الدولة من مداخيل مهمة من الفوسفات، وهو ما يمثل صراحة تحدياً عنيفاً للدولة.
ونظراً لتمكن شباب «الكامور» من خلق أزمة حقيقية، وإثباتهم قدرة على التحدي وإضعاف الدولة، فإن العدوى بدأت تنتقل إلى مناطق أخرى، مما يعني أن الدولة أخفقت في الدفاع عن هيبتها وعن مؤسساتها، مثل شركة الفوسفات التي هي ملك جميع التونسيين.
ماذا يمكن أن نفهم من تصاعد الاحتجاجات بعد عشر سنوات من حدوث الثورة؟ هل الثورة فشلت حقاً، وما تعج به البلاد من احتجاجات إنما دليل حي على ذلك؟
من الصعب الحديث عن الثورة بشكل كلي والحسم في الفشل أو النجاح. ولكن ما يمكن التلويح به هو أن المطالب الحقيقية للثورة لم تتحقق ولم تقطع فيها تونس حتى بضع خطوات مهمة من أجل معالجتها.
لقد حدثت الثورة لأسباب اقتصادية، فهي نتاج ارتفاع نسبة البطالة وأرقام الفقر وانسداد الأفق أمام الشباب التونسي الذي يتجاوز حجمه الديموغرافي نحو الثلث من مجموع السكان.
عشر سنوات شهدت ما سمي الانتقال الديمقراطي، وكتابة دستور تونس الجديد، وانتخابات المجلس القومي التأسيسي، وانتخابات تشريعية ورئاسية، عام 2014 ثم 2019. كان الحراك منصباً على الحقوق الفردية والصراعات الآيديولوجية ومن يهيمن على الحكم. ودخلت تونس في حوادث اغتيال سياسي ذهب ضحيتها كل من شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي... حدث كل ذلك، ولكن لم تحدث التنمية، ولم تنطلق تونس في الاستثمار بوصفه عجلة التنمية رغم كل الفرص الاستثمارية التي أتيحت لها والمؤتمرات التي عقدت للمساندة الاقتصادية.
المشكل أن النخب التي حكمت تونس خلال العشرية الأخيرة، التي تعاقبت عليها الحكومات الكثيرة والأكثر مما يجب، لم تضع التنمية والاقتصاد أولوية مطلقة، واكتفت بدفع الرواتب والترفيع في الضرائب واعتماد المديونية حلاً اضطرارياً أمثل لها. لذلك فهي مثقلة اليوم بالديون ذات الفائض التعجيزي، وفي الوقت نفسه لا توجد مؤشرات تنمية حقيقية؛ لأن التنمية أساسها الاستثمار.
المشكلة الأخرى أن النخب الحاكمة لم تركز على فكرة مركزية هي أساس الحكم وأساس تحقيق التنمية والحل لإشباع توقعات المعطلين والفقراء، وما كانت تعدّ طبقة وسطى قد طالتها الإكراهات الاقتصادية أيضاً. إن الفكرة والحل والمفتاح هي الاستقرار السياسي. فالحوارات والمفاوضات دائماً حول المحاصصة الحزبية ومن يهيمن على الحكومة ومن يتولى الحقائب الوزارية السيادية.
لم تكن المفاوضات حول الاستقرار السياسي؛ حتى لو كان ذلك لفترة يلتزم بها الجميع من أجل تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأجانب على الاستثمار في تونس. وكانت النتيجة أن تونس أصبحت رمزياً بلاداً طاردة للاستثمار، وازدادت حركة الهجرة السرية بحثاً عن الكرامة المادية ولقمة العيش خارج تونس.
لقد حدث نوع من سوء إدارة الوضع، ولم تكن الرؤية محددة استناداً إلى أسباب الثورة واستحقاقاتها، كما لم توضع الخطة القادرة على معالجة أسباب الاحتجاج، فظل الاحتجاج قائم الذات، مع تراكمات أخرى أدت إلى مزيد من إضعاف الدولة الناتج بدوره عن عجز في توفير الحد الأدنى من التنمية للمناطق المهمشة التي انطلقت منها شرارة الثورة.
طبعاً جائحة «كورونا» زادت في تأزيم الوضع الاقتصادي، ولكنْ للأزمة تاريخ جديد في تونس، ولم تفكر النخب الحاكمة بجدية في المعالجة المبكرة؛ الأمر الذي أدى إلى مزيد من استفحال مؤشرات التأزم، المتمثلة في انهيار الدينار، والتضخم التجاري، واتساع السوق الموازية، التي لا تقدر الدولة على مواجهتها؛ لأنها لا تملك حلول تقديم البدائل للذين وجدوا حلولاً لكسب الرزق في الأسواق الموازية التي تنهش بدورها الاقتصاد النظامي.
إنها سلسلة من الإخلالات نعدّها نتاج عدم التركيز على التنمية وربطها بشرط الاستقرار السياسي والخروج من عنق التناحر الآيديولوجي والمصلحي.
نعم عادت تونس إلى نقطة الصفر؛ لأن «صفر تنمية» يطيح كل المنجز الآخر ويفرغه من قوته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس والعودة إلى نقطة الصفر تونس والعودة إلى نقطة الصفر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon