توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

  مصر اليوم -

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

بقلم:د. آمال موسى

ليس جديداً القول إننا نحيا في عالم انفصامي بامتياز: منذ عقود راجت مقولة أن العالم أضحى قرية صغيرة بسبب العولمة وتكنولوجيا الاتصال والثورة الحاصلة في وسائل النقل... الكل صدق هذه المقولة وراقت له لما لمفهوم القرية من معانٍ تبعث على الدفء والحنين والعلاقات القريبة.

وفي إطار التشظي الذي يميز عالمنا اليوم فإن المقولة المشار إليها لم تمنع من ظهور مفهوم الهجرة غير النظامية الذي أصبح شائعاً، وصارت هذه الهجرة من أهم الموضوعات الدولية مثلها مثل تغير المناخ وقضية الشرق الأوسط.

الأمر لا يقف عند ملاحظة التشظي، بل إنه يزحف في اتجاه لغة المخاتلة وإخفاء الحقائق.

من يتابع خطاب الاتحاد الأوروبي بخصوص مشكلة الهجرة غير النظامية، أو تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة الرافضة لوجود المهاجرين على أراضي بلدانها، يخطر في ذهنه للوهلة الأولى أن أوروبا ضحية هجوم المهاجرين غير النظاميين الذين يجتازون حدودها ويفرضون أنفسهم ويشوشون على شعوبها حياتهم واستقرارهم.

فالصورة الحقيقية هي ما تقوم به بعض بلدان أوروبا من مساعٍ حثيثة من أجل إيقاف ظاهرة الهجرة غير النظامية وإقناع العالم بأنها تطالب بحقها في التصدي لهجرة يصفها العالم بكونها غير قانونية.

السؤال: هل مثل هذا الخطاب المخاتل الذي يفتقر إلى التاريخ والذاكرة يكفي كي تكتب أوروبا والبلدان التي تعتبر نفسها الأكثر تضرراً من الهجرة غير النظامية سردية تكون فيها بالفعل بريئة وضحية؟ وأيضاً لماذا ارتفعت نبرة التذمر من الهجرة غير النظامية في هذه السنوات حتى أنها أصبحت الشغل الشاغل لأوروبا؟

لعله من المهم أن نضع بعض النقاط على الحروف وأول ما يستحق التذكير به هو أن أوروبا أول من مارست الاستعمار حين ارتأت أن تتوسع وتجمع المواد الأولية والثروات الطبيعية من البلدان التي احتلتها طمعاً في بناء نهضة صناعية كبيرة. ولقد حققت أوروبا من خلال الاستعمار ما أرادت، وإضافة إلى نهبها الثروات الطبيعية، فإنها فتحت بلدانها لليد العاملة المغاربية والأفريقية كي تبني لها نهضتها العمرانية وتقطف لها حصادها الزراعي. واستمر ذلك لعقود حتى بعد خروج فرنسا وبريطانيا وإيطاليا من مستعمراتها عندما قالت حركات التحرير الوطني كلمتها.

ولكن شيئاً فشيئاً لم تعد أوروبا بحاجة إلى المهاجرين، فتمت شيطنتهم على كافة الأصعدة وأصبح الحديث عنهم خالياً تماماً من كل إنسانية ومن التاريخ والمسؤولية أيضاً. وفي مقابل ذلك نلاحظ ترحيباً خاصاً بالنخب ذات الصلة بالمجالات التي تحتاجها أوروبا اليوم وعلى رأس المهاجرين المرحب بهم المهندسون والأطباء الذين أنفقت عليهم بلدانهم حتى صاروا كفاءات. أي إن المقاربة الجديدة انتقائية محضة وهي استقطاب كفاءات البلدان المستعمرة وهكذا يتم الانتقال من استعمار هدفه الثروات الطبيعية إلى تكتيك جديد يقوم على صيد الكفاءات الشابة ذات الشهادات العلمية التي هي الأكثر حاجة اليوم في السوق الدوليّة.

وهنا درس غير مباشر في البراغماتية الأوروبية المتواصلة بأشكال مختلفة وخطط متغيرة.

ما يجب أن تعلمه البلدان التي تعبر عن تذمرها من ظاهرة الهجرة غير النظامية أنها تمثل أحد أهم أسباب هذه الهجرة. فالشباب الذين وجدوا أنفسهم أمام آفاق ضيقة كانت الدول المستعمرة متسببة فيها إلى جانب ما بذلته من جهد من أجل ألا تكبر تلك البلدان وكي لا تكون نامية وقوية، الأمر الذي جعل الآفاق غير موجودة خاصة بعد تضافر عوامل أخرى ما فتئت تتجمع من تاريخ حرب الخليج الأولى وصولاً إلى جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية.

هناك مشكلة في كيفية طرح قضية الهجرة غير النظامية، ولن تجد هذه القضية طريقها نحو المعالجة من دون الخروج من بوتقة الخطاب الزئبقي المخاتل.

لذلك فإن المعالجة الصريحة الشجاعة تكون عندما تدعم البلدان وتساعد النخب الحاكمة فيها على تأمين استقرار اقتصادي وخلق فرص للشباب. والدعم الحقيقي ليس فيما هو فني فقط بل في الدعم المالي وضخ الاعتمادات لأن هذه البلدان رغم ضيق ذات اليد فإنها غنية بالكفاءات، بدليل أن أوروبا باتت بحاجة إلى طلابها المتميزين وتقدم لهم كل ما تعجز بلدانهم الأصلية على تقديمه لهم من ظروف عمل مريحة ومعاشات عالية.

إن سياسات الدعم قطرة قطرة والدعم المشروط والمحسوب أثبتت فشلها: شباب في أوج إرادة الحياة والحلم والطموح سيبحر في المتوسط بحثاً عن ضفة باتت لا تريده.

كونوا شريكاً حقيقياً في تنمية أفريقيا ولن يرغب أحد في ترك العائلة والأصدقاء وأرض بلاده. كونوا شريكاً حقيقياً وردوا بعض ما نهب من ثروات طبيعية من دون مقابل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon