بقلم -آمال موسى
يوم الخميس المقبل تحتفل الشعوب باليوم العالمي للمرأة. وهو تقليد يتميز بالعراقة، حيث يعود تاريخ أول يوم أممي للمرأة إلى سنة 1975. وكما هو معروف، فإن الطموح الذي رفعته منظمة الأمم المتحدة في مجال المرأة يتمثل في هدف محدّد وواضح ودقيق: المساواة بين الجنسين.
طبعاً مقاربة هذا اليوم تختلف من مجتمع إلى آخر. كما أنّ زاوية المقاربة قد تختار التنويه بالمنجز، وقد تختار الاقتصار على النّاقص وغير المتحقق والمنشود.
وفي الحقيقة، رغم أني أميل إلى المنظور النّقدي دائماً على اعتبار أن دورنا يستوجب ذلك، وبالنقد فقط نتقدم لا بالمديح، فإنه فيما يخص اليوم العالمي للمرأة، وتحديداً فيما يتصل بالمرأة العربية، أرى أن التنويه يتخذ بعداً خاصاً؛ وذلك لأن المنجز في مجال مكاسب بالمرأة العربية يحمل لنا ضمانات تحقق غير المنجز؛ ففي بعض المجالات، وعلى رأسها مسألة المرأة يكفي أن تدور عجلة التغيير الاجتماعي حتى ينطلق السير في طريق لا تقبل التراجع، ولا حتى التوقف في النقطة نفسها.
هناك مؤشران يُحفزان منسوب الأمل والنظرة الإيجابية لمستقبل المرأة العربية للارتفاع؛ الأول تعليم المرأة، والآخر نصيبها في القوة العاملة.
وقبل هذين المؤشرين هناك جانب مهم جداً يتمثل في تعداد النساء في العالم العربي. فهن يمثلن قرابة النصف، أي أنهن يمثلن قوة ديموغرافية مفتوحة على انتصارات نوعية في مجال الحقوق والتشريعات والفعل الاجتماعي. فنحن لسنا أمام أقلية، بل أمام قوة ديموغرافية تضاهي القوة الديموغرافية الذكورية. وهذا في حد ذاته عامل قوة للمرأة في الفضاء العربي الإسلامي، ويساعدها على التحول إلى مرتبة الفاعل الاجتماعي المؤثر.
أيضاً نسبة التمدرس عالية جداً، وفي ازدياد مطرد بشكل يؤكد تطور العقليات في العالم العربي، وأنه تم تجاوز العراقيل التي كانت تحف بتعليم البنت.
طبعاً ليس دقيقاً التحدث عن وضع المرأة العربية بشكل عام وكأن هناك وضعاً واحداً، في حين يقول واقع التشريعات والأرقام معطيات أخرى. هناك وضعيات متفاوتة للمرأة العربية ولكل مجتمع تجربته في مجال تحسين وضع المرأة والانخراط في مسار المساواة بين الجنسين ومعالجة قضايا التمايز بين المرأة والرجل. لكن رغم اختلاف هذه الوضعيات، فإن جميعها لم تحقق أهدافها، خصوصاً أن المساواة بين الجنسين لا تقتصر على الحقوقي التشريعي، بل تعنى بشكل أساسي بالممارسات الاجتماعية في مجال المرأة وهذه الممارسات تحتاج إلى زمن ووعي كي تتغير وتتلاءم مع التشريعات. لذلك؛ دائماً تكون الأسبقية للتشريعات لأنّها رهن إرادة سياسية ونضال النخب، أما الممارسات الاجتماعية فهي نتاج تطور تمثلات المجتمع بمختلف فئاته للمرأة، وكلّما تراجع التمايز في الأدوار والنظرة انعكس ذلك إيجابياً في الممارسات، وذلك هو الأقوى؛ لأن التطور الحقيقي هو الذي تعيشه المرأة في حياتها اليومية وفي علاقاتها الاجتماعية وفي الفضاء الخاص والعام معاً.
لقد حققت المرأة العربية انتصارات عدّة مهمة، وكانت المرأة الخليجية هي الأقل حظاً من هذه الانتصارات. لكن الملاحظ أنه في السنوات الأخيرة حققت المرأة في الخليج مكاسب مهمة وذات قيمة مضاعفة إذا ما وضعنا تلك المكاسب في سياقها السوسيولوجي العام. كما نلاحظ أيضاً أن وتيرة المكاسب أصبحت أسرع مما يعكس إرادة خليجية في معالجة وضع المرأة وتطويره بشكل يليق بما حققته هذه المرأة من نجاحات اقتصادية وأكاديمية وإبداعية من جهة وما يستلزمه الانخراط عالمياً في مجتمع دولي أصبح يعتمد وضع المرأة من مؤشرات التنمية والتقدم والمواطنة. فاليوم مثلاً لا نستطيع أن نتحدث عن الرواية النّسائية العربية دون التوقف عند كاتبات خليجيات مثل رجاء العالم وغيرها. ولا نستطيع أن نتحدث عن الشعر النسائي العربي المعاصر دون التوقف عند تجارب أشجان هندي، وفوزية أبو خالد، وفوزية السندي، وميسون صقر، وظبية خميس، وسعدية مفرح، وغيرهن كثيرات.
فالمرأة السعودية مثلاً بفضل نجاحات البعض من السعوديات وتوفر إرادة سياسية قوية تحصلت على حق الانتخاب والترشح في المجالس البلدية، وحق التعيين في مجلس الشورى. كما أبرز تقرير المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين عام 2014 تقدم المرأة السعودية في مجال التمكين السياسي، وهو ما يؤكد تطور نسق المكاسب، التي توجت في العام الماضي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
وفي الحقيقة عندما نقرأ بشكل معمق كيف أن المرأة السعودية تمثل حالياً 2 في المائة من القوى العاملة، وأن 20 في المائة من السجلات التجارية في المملكة بأسماء نساء، فذلك يعني أن المرأة السعودية تجتاح بقوة مجال العمل بوصفها قوة عمل، وأيضاً صاحبة رأسمال وصاحبة أعمال. ولعل التمكين الاقتصادي هو المدخل الأساسي والأقوى للتمكين الاجتماعي الشامل دون أن ننسى أن القادرات على القراءة والكتابة بلغن حسب إحصائيات غير حكومية نسبة 79.4 في المائة وهو عامل آخر يزيد من منسوب التفاؤل والإيجابية.
بيت القصيد: لا خوف على المرأة العربية. فمنذ ذهاب أول بنت عربية إلى المدرسة ودخول أول شابة إلى سوق العمل كان واضحاً أن وضعها سيتغير لأن المجتمع نفسه تغير وللتغيير سلطته وقوانينه وواقعه الجديد. وعندما يكون التعليم أساس التغيير، فإن المساواة ستتحقق ولو بعد حين.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه