توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التنشئة على الجمال

  مصر اليوم -

التنشئة على الجمال

بقلم:د. آمال موسى

تجعلُ المهرجاناتُ للصيف مذاقاً عذباً وتفتح أفقاً واسعاً مضموناً لتحقيق الاستمتاع بالعطلة، وبفصل الصيف الذي رغم ارتفاع الحرارة فيه، فإنَّه يظلُّ فصلاً مميَّزاً لما يسمح به من شيءٍ من الحرية في تنظيم الوقت وفي قضاء الليل، إضافة إلى أنَّه فصلُ الارتماء في أحضان الطبيعة وبحارها.

والصيف ليس سباحةً، والاستيقاظ على غير العادة وإقامة الأفراح والمسرات الخاصة... بل أيضاً هو فصل المهرجانات والعروض الفنية والموسيقى والسهر في رحاب الفن والإبداع.

وإن كانتِ المهرجاناتُ تندرج ضمنَ الترفيهِ وذات صلة بالسياحة، إلا أنَّه من المهم التذكر دائماً أنَّ المهرجاناتِ ذاتَ وظيفةٍ ثقافيةٍ ورسالة من أجلِ الانفتاح على الثقافات واكتشاف الذات الفنية والثقافية وذواتِ الآخر المتعددة أيضاً.

وكما أنَّ المهرجاناتِ الكبرى الصيفيةَ الناجحةَ معروفةٌ بتنوع عروضها وفقراتِها من أجلِ تلبيةِ الحاجيات الجمالية لأكثرَ ما يمكن من جماهير، فإنَّ الأمر ذاته فيما يخصُّ الفئةَ العمريةَ للجمهور. المهرجانات الكبرى تفكّر في الكبارِ والصغار. وتبرمج لكلّ فئةٍ عمرية ما تحتاجه وما يناسبها. وبقدر ما يبحث الكبارُ عمَّا يعجُّ به مخيالُهم الفني الثقافي من رموزٍ فنيةٍ وأذواق وأنماطٍ بعينها حيث اختيارُ العرض نفسِه هو استجابة لحنين الذاكرة وطريقتها في الاستمتاع بالفن، فإنَّ أمرَ عروضِ الأطفال مختلفٌ وأكثرُ حساسيةً وتعقيداً: عندما يفكر مهرجانٌ كبيرٌ في عروضٍ مميزة وضخمة للأطفال، فإنَّه يكون بصدد تشكيل ذوقِهم وخيالهم، ويؤسس لوجدانهم.

وفي الحقيقة نلاحظ في حيواتِنا الثقافية تعاطياً ثانوياً مع الطفولة، ومبدأ حقها في الترفيه وتنشئتهم على قيم الانفتاح والجمال والمحبة، والحوار والإنسانية. ولسنا نبالغ إذا قلنا إن المهرجانات قادرة على تأمين نصيب وافر من هذه التنشئة. فالجمال تنشئة وتربية ومن يتربَّ على الجمال والثقافة والانفتاح فلن تستطيع القوى الظلامية اختراقه مهما كان مأزوماً. هكذا نحصن الناشئة من العنف والتعصب. ذلك أن مرحلة الطفولة هي المرحلة التي يتشكل فيها الإنسان مخيالاً وتمثلات.

ما قادنا إلى طرح هذه النقطة دون سواها في مقالتنا هذه، هو ذلك الأثر الجميل الذي لمسناه في سهرَتي مهرجان قرطاج الدولي بتونس، حيث تم تخصيص سهرتين للأطفال، وتم عرض العمل الفني العالمي «سندريلا: السيرك على الجليد»، حيث امتلأ ركح مسرح قرطاج الأثري بالأطفال وأوليائهم، إضافة إلى حضور كبير للأطفال من مكفولي الدولة، فكانت سهرة بمثابة الحلم لجميع الأطفال وبسهولة تامة، تلحظ الفرحة في عيون الأطفال عندما يشعرون بأن مؤسسات الدولة ومهرجاناً دولياً يفكر فيهم كجمهورٍ نوعي يستحق العناء والبذل والعطاء.

العرض كان جميلاً: لوحات تتضمَّن قصصاً من الثقافات يشارك فيه من جنسيات مختلفة ورقص على الجليد كأبهى ما يكون الشيء الذي ينمي الذوق الجمالي والخيال وقصة سندريلا وملكة الحلم... نعم الجمال ينقي الداخل ويرقق الذوق، ويجعل ابتسامة هادئة مطمئنة راسخة تعلو كل وجه يشاهده.

طبعاً مثل هذه العروض تصنف تقنياً بكونها ثقيلة وتستوجب استنفاراً كبيراً لوجيستياً، بدليل أن مهرجان قرطاج منح العرض يومين كاملين كي يتم الإعداد وتوظيف الركح وفق مقتضيات العرض، ولكن النتيجة كانت رائعة: منظر الأطفال وهم يدخلون المسرح وهم يغادرونه يمثل في حد ذاته صورة أمل مضمونة التدفق والثبات.

طبعاً الاستثمار الفني في عروض ثقيلة وتواكب تطلعات الأطفال وتكون قادرة على إبهارهم وجذبهم وهي مكلفة، وتخصيص حيز واسع في البرمجة لهم هو لا شك مكلف، ولكن الوقاية خير من العلاج. الاستثمار في الجمال والتنشئة عليه، وخلق ممارسات ثقافية مبكرة لدى الأطفال ستفيد كل المجتمعات وتجعلها في مأمن من مخالب أرباب العنف والإرهاب.

من جهة أخرى فإن عدم إيلاء ترفيه الأطفال حقه من ميزانياتنا واهتمامنا وبرامجنا سندفع تكلفته باهظةً في مستقبل السنوات، إضافة إلى أن ذلك سيدفعهم للإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي ولقمة سائغة لمضامينها.

ونحن نناضل من أجل توفير حقوق الأطفال في التعليم والصحة من المهم أن نناضل أيضاً من أجل حق الطفل في الترفيه لأن الترفيه آلية من آليات نقل مضامين إيجابية وقيم الجمال، إضافة إلى أن الترفيه يجعل الطفل في حالة انشراح وامتلاء بالجمال وأكثر قدرة وصلابة على التحمل مستقبلاً.

الترفيه يصنع لنا ذاكرة الفرح، وهي ذاكرة نغترف منها للتذكر عندما نتقدم في السن، ونقف وجهاً لوجه أمام الحياة وتقلباتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنشئة على الجمال التنشئة على الجمال



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon