توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المدافع الناعم عن المسلمين

  مصر اليوم -

المدافع الناعم عن المسلمين

بقلم : آمال موسى

فقدَ علم الاجتماع والفكر العربي في الأيام الأخيرة المفكر الكبير التونسي عبد الوهاب بوحديبة، صاحب الكتاب الشهير «الجنسانية في الإسلام»، الصادر منذ أكثر من 40 عاماً، والذي حظي بترجمة لغات عدة، لأهميته وعذوبة المقاربة والكتابة.
ليس الهدف من هذه المقالة تقديم معلومات عن الرجل، وأغلب الظن أن المهتمين بالإسلام وعلم الاجتماع في عالمنا يعرفونه حق المعرفة، فهو من مؤسسي الجامعة في تونس، وتلقى تكويناً مزدوجاً ومنفتحاً، حيث درس في جامعة السوربون الفرنسية الفلسفة وعلم الاجتماع. فنحن في حضرة رجل صاحب مشروع شاسع وعميق، وظل يفكر ويكتب ويتفاعل مع قضايا الأمة العربية والإسلامية ثقافة وحضارة إلى آخر عمره، حيث لم يتوقف عن الكتابة والنشر، فكان كل كتاب يصدر له يمثل حدثاً ثقافياً لا يضاهيه حدث آخر. لذلك، فإن الإلمام بتجربة الرجل وأفكاره ليس بالعمل اليسير، ولا ندعيه مطلقاً في هذه المساحة.
عندما فكرت كيف يمكن أن نصف عبد الوهاب بوحديبة من خلال منشوراته الفكرية، وتحديداً كتبه حول الجنسانية في الإسلام وتجربة الغيرية في المجتمعات الإسلامية، وعن الإنسان في الإسلام، وثقافة العطور في الإسلام، وأيضاً آخر مؤلفاته المعنون بـ«الإسلام انفتاح وتجاوز»... وجدت أن أهم صفة يمكن أن نطلقها على الرجل، هي المدافع العقلاني الناعم عن المسلمين. فعين الرجل نظرت في الجميل في الثقافة الإسلامية، ورغم قوة انتمائه للمرجعية الثقافية الفرنسية فإنه وهو المطلع على التراث العربي وأمهات الكتب لم يسقط في أحابيل الصراعات الفكرية الآيديولوجية، ولم ينهج طريق الدفاع الانفعالي بحكم تحصينه المعرفي الذي أغناه عن أي انزلاق.
لقد صوّر لنا الثقافة الإسلامية بكثير من الثقة بها. تعامل معها بقرب العاشق الذي لا يبخس حق معشوقه في إظهار مناقبه. لذلك، فإن سعة اطلاع الرجل جعلت من مقارباته هادئة ومشغولة بمناطق تنصف الثقافة الإسلامية، وترد على الصور التي تقدم المسلمين أمة عنف ودم ووحشية. فمؤلفاته ردود غير مباشرة، تنقل النقاش والحوار بين الثقافات والحضارات إلى مناخ عقلاني إبداعي معرفي محض، بعيداً عن التوترات والمغالطات واستراتيجيات الدفاع أو الهجوم الأعمى.

 

كتب بوحديبة حول الجنس في الإسلام، وأظهر أن الإسلام متصالح مع طبيعة الإنسان، وأعطى – أي الإسلام - للجسد مكانة مقدسة، مؤكداً مسألة الطهارة ودلالاتها في الثقافة الإسلامية واحتفاء المسلمين بنظافة الجسد، مشيراً إلى فضاء الحمام في المدينة العربية الإسلامية، من ذلك ما أورده في خصوص مدينة بغداد حيث كان عدد الحمامات 60 ألفاً، أي حمام لكل 50 ساكناً.
وفي السنوات الأخيرة، أطل علينا بكتاب زكي الرائحة، اهتم فيه بثقافة العطور في الإسلام ومنزلة العطر ووظائفه في إذكاء العلاقة بين الجنسين وفي التجميل وفي التطبيب، علاوة على وظيفته الاقتصادية.
كما أولى بوحديبة عناية خاصة جداً بمسألة الغيرية، واللافت أنه قارب هذه الإشكالية من منظور مختلف، نعتقد أنه يستحق التأكيد والإبراز، باعتبار أن قراءة المفكر عميقة، وتقطع مع القراءات السائدة؛ ذلك أن الوعي الإسلامي بالنسبة إلى بوحديبة قطع خطوات إيجابية عبر تاريخه في الاعتراف بالآخر وقبوله والانفتاح عليه، مبرزاً أن التقصير يكمن من جهة الآخر، الذي ظل حبيس النظرة الكونية للثقافات، وقام بإقصاء الذوات الثقافية المتعددة المختلفة.
ولكن هل يعني هذا أن المسلمين لا مشكلة لديهم مع الاختلاف والغير؟
في الإجابة عن هذا السؤال، يأخذنا عالم الاجتماع عبد الوهاب بوحديبة إلى الداخل وإلى الذات العربية المسلمة، وهناك يقدم أطروحته المهمة التي يمكن تلخيصها في كون النظام الثقافي للذات العربية يعاني من مشكلة مع الاختلاف مع الغير القريب منه والمجاوز له، أي مشكلة مع المرأة، ومشكلة مع المختلف في اللون وفي الفكر. بمعنى آخر، هو يحدد لنا بوصلة الإصلاح ومنطقة العطب، المتمثلة في النظام الثقافي الذي هو بحاجة إلى مراجعة ونقد وتربية على التسامح والقبول بالمختلف، والتقليص من هيمنة ثقافة إيثار التماثل على الاختلاف. أي أن الذات العربية في نظر بوحديبة تحتاج إلى التغيير الذي يتطلب بدوره إصلاحاً ديناميكياً للعقل والروح والضمير.
يمكن القول إن أفكار بوحديبة تدفعنا للتغيير وللإصلاح ولكن ليس من منطلق أن ثقافتنا تستحق الهدم والبدء من الصفر حضارياً، بل إنه انشغل كثيراً بإظهار المواطن الإيجابية، وإنصاف هذه الذات من خلال التذكير بالحجة والبرهان بأن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة إبداع وحياة نجحت في التفاعل الجمالي مع الدنيوي وفي الإخلاص للروحيّ.
وفي هذا السياق من الدفاع العقلاني الناعم الذي يلتقط حدائق الثقافة الإسلامية، أقام عالم الاجتماع التونسي العربي عبد الوهاب بوحديبة دعوته إلى شحذ الهمم لاستئناف حياكة ماهية الذات المسلمة وإصلاح بعض مرتكزات نظامها الثقافي الذي تستند إليه في بلورة التصور للعالم كله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدافع الناعم عن المسلمين المدافع الناعم عن المسلمين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon