توقيت القاهرة المحلي 19:41:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السياسة والكراهيّة

  مصر اليوم -

السياسة والكراهيّة

بقلم -آمال موسى

عندما نطرح مسألة السياسة والكراهية لا نقصد التلويح إلى التضاد في المعنى وأن السياسة هي فعل حبّ أو مودة، بل إنّ المقصود أن السياسة فعل يقوم على البراغماتية والمصلحية وهو من أكثر الأفعال الاجتماعية عقلانية حسب مفهوم ماكس فيبر للعقلنة، باعتبار أن الفعل السياسي الطبيعي له هدف عقلاني ويسعى لتحقيق مصلحة ومنفعة ما.

وبالنظر إلى هذا التوضيح الذي حرصنا عليه فإن الكراهية - التي لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل - لا يمكن أن تكون هدفاً لسياسة عقلانية وعاقلة ومعقلنة.
فما مناسبة هذا التوضيح وفي أي سياق يصب؟

ورد في مقال نشرته جريدة «الشرق الأوسط» الخميس الماضي أنّ عدد مجموعات الكراهية في الولايات المتحدة سجل زيادة ملحوظة في العام الأول لرئاسة دونالد ترمب، وأن عدد مجموعات الكراهية والتطرف ارتفع بنسبة 4 في المائة وأصبح 954 مجموعة. أيضاً ما يعنينا بشكل خاص في هذا المعطى الكمي أن عدد المجموعات المعادية للمسلمين ارتفع ليصبح 114 بعد أن كان العام المنقضي 101 مجموعة. وكما نلاحظ فإن المجموعات المعادية للمسلمين تبلغ نسبتها حاليا قرابة الـ12 في المائة، هذا طبعاً إلى جانب المجموعات المعادية للسود.
إذن أول ملاحظة تتمثل في تزايد ظاهرة الكراهية حتى ولو لم تكن هذه الزيادة مفجعة. وربما تكون الفرضية التي استند إليها المسح الميداني لمجموعات الكراهية وجود مؤشرات قوية على

ما تعرفه ظاهرتا الكراهية والتطرف اليوم في الولايات المتحدة من بيئة سياسية مشجعة ومثيرة لمثل هذه الظاهرة المكلفة الثمن من ناحية الأمن القومي والسلم الاجتماعي. أيضاً لا شك في أن الزيادة عادية نسبياً ولكن كان يمكن أن نتحدث عن تراجع مجموعات الكراهية والتطرف لو اعتمد الرئيس ترمب سواء أثناء حملته الانتخابية أو بعد فوزه في الانتخابات الرئاسيّة ودخوله البيت الأبيض خطاباً منفتحاً على المجتمع الأميركي بجميع فروقاته وعلى العالم بكل تنوعه واختلافه، خصوصاً أن الولايات المتحدة هي القوة الأكثر تأثيراً في العالم.

كذلك وفي الملاحظة الأولى نفسها نشير إلى أن الاهتمام بما وصفناه بالزيادة غير الكارثية في عدد مجموعات الكراهية قد يعود أيضاً إلى توقع أن تكون الزيادة في قادم الأيام والأحداث والقرارات أكبر دون أن ننسى ما تعنيه هذه الزيادة من رد محتشم في طوره الحالي مقارنة بما شجع على ارتفاع نبتة الكراهية في مجتمع الولايات المتحدة.

أيضاً هناك سؤال قد يقودنا إليه هذا التقرير حول مجموعات الكراهية في الولايات المتحدة: كيف هو حال الكراهية خارج أميركا؟ وكم من المتطرفين استثمروا خطاب ترمب لصب الزيت على النار وإعلان حملات عشوائية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على النخب المعتدلة الواقعية العقلانية في مواقفها التي تتفاعل بالتوفيق بين القضايا والواقع.
الملاحظة الثانية أن المسلمين والسود هم المستهدفون الأوائل من طرف مجموعات الكراهية، وهو ما يعني أن الخطاب السياسي الأميركي الرسمي مارس تمييزاً على أساس اللون وعلى أساس الدين وقام بتغذية التمييز العنصري والديني. وهنا نربط بفاتحة مقالنا لنستنتج أن هناك نوعاً من التشجيع السياسي على الكراهية وهو ما يفيد بتوخي سياسة غير عقلانية وغير مفكر فيها ملياً.

طبعاً تصريحات الرئيس ترمب أثناء حملته الانتخابية، التي أكد كثيراً منها وأكثرها خطورة التوقيع على قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ هذا الاعتراف أيقظ مشاعر الكراهية عند البعض وأظهرها ربما لأول مرة عند البعض الآخر، ذلك أن ترمب سحب البساط من الجميع؛ متطرفين ومعتدلين وحتى موالين، ومس مسألة غاية في الحساسية والخطورة وتداعياتها ما زالت مفتوحة، وإذا لم يتوصل الفلسطينيون إلى حل يضمن لهم الحد الأدنى من حقهم التاريخي ومن ماء الوجه فإن مارد الكراهية والتطرف لن يتمكن أحد من السيطرة عليه، خصوصاً أن القضية الفلسطينية في مراحلها الأقل صدمة من صدمات الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل لطالما مثلت سبباً من التوتر بين العالم العربي الإسلامي والعالم الأوروبي الغربي بشكل عام.

المشكلة الأخرى أن التغييرات التي عرفتها السياسة الأميركية منذ تولي ترمب الرئاسة تُضعف من مصداقية بعض مواقفها السليمة في المنطقة الشرق أوسطية، وذلك لما شاب من تشويش سياسي بشكل يجعله يُقرأ ويفسر دون الحاجة إلى التأويل.

من جهة أخرى، فإن غياب العقلنة في سياسة أكبر دولة في العالم وفي قضايا حساسة جداً مثيرة للعنصرية وتغذي التوتر وتشجع على ظهور المزيد من جماعات الكراهية في العالم أكثر وأكثر، يبدو لنا بمثابة الضوء الأخضر لمزيد الفوضى التي لن تكون إلا مدمرة للجميع.
إن ما يحصل فوضوي إلى حد أنّه منظم جداً!

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والكراهيّة السياسة والكراهيّة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon