توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

  مصر اليوم -

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

بقلم - آمال موسى

لا شك في أن وتيرة الأحداث والتغييرات التي شهدها العالم في السنوات الثلاث الأخيرة سريعة ومفاجئة بشكل خاص جداً. طبعاً ندرك جيداً أن العالم دق لحظة التغييرات من تاريخ حرب الخليج الأولى، ومثّلت أحداث 11 سبتمبر 2001 النقطة المفصلية في مسار المرحلة الجديدة القسرية التي خلطت أوراق العالم، وأعادت إنتاج كل شيء على نحو ما زلنا نعاني تبعاته، والتحقت بذلك تداعيات أخرى، وتعقّد الوضع إلى درجة ضاعت فيها القدرة على التوقع على المدى القريب. بل إنه حتى الخطة الأممية للتنمية المستدامة، سيعترف القائمون عليها الذين يقيسون درجة التقدم في تجسيد الأهداف، بأن الأحداث المفاجئة التي حصلت مع الأسف بدلاً من أن تقلص من عدد الذين هم خلف الركب فإن أعدادهم تضاعفت، ومن ثمّ فإن أول شيء سيقع عند بلوغ لحظة التقويم في سنة 2030 هو تغيير السقف الزمني ورزنامة الأهداف.
لقد عرفت السنوات الثلاث الأخيرة أحداثاً فعلاً مُربكة، أولها الجائحة التي مثّلت نقطة حاسمة، وتجربة صعبة مليئة بالدروس، ثم الحرب الروسية الأوكرانية ذات التداعيات الاقتصادية الوخيمة على شعوب شتى، وصولاً إلى الزلزال المخيف والقاهر الذي عصف بأرواح أكثر من 30 ألف شخص من أطفال ورجال ونساء في تركيا وسوريا.
أبسط استنتاج يمكن النطق به، هو أن الإنسانية عانت كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، رغم أن السنوات الأخيرة التي سبقتها لم تكن سهلة، وعرفت دول كثيرة مرارة الإرهاب وجبنه، وعاشت شعوب إخفاقات الثورات وإرباكاتها، ولم تكن التحولات التي رافقت عمليات التغيير السياسي سهلة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة. ولسنا نبالغ لو قلنا إن الحديث اليوم في كل العالم عن طبقة وسطى أصبح حديثاً يجانب الواقع.
إن تكلفة الأحداث المفصلية والتجارب الصعبة التي عرفها العالم ضخمة ومست الأبعاد كافة، سواء النفسية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت هذه الأحداث رغم هذه التكلفة الباهظة والموجعة، حيث إن الجائحة أوجعت الإنسان في عمق روحه ووجدانه، وزلزال سوريا وتركيا كان قاسياً وموجعاً بكل المعاني، فإن الدروس الكبرى المستخلصة يمكن تحديدها وتبويبها في عناصر ومحاور كبرى، باعتبار أن ضخامة الأحداث تفرض ذلك آلياً.
ويبدو لنا أن الدرسين الأول والثاني، هما أن الإنسانية تحتاج من هنا فصاعداً إلى مصدرين للقوة، وذلك للتصدي للأزمات، وهما: الدولة والمجتمع المدني.
لقد أصبح من المستعجل بعد أحداث السنوات الأخيرة بناء خطاب دولي يدافع بشراسة عن الدولة ذات الدور الاجتماعي، بنفس الشراسة التي تم فيها الدفاع عن الليبرالية المستوحشة. ولن تستطيع أي دولة أن تقوم بدورها الاجتماعي إلا إذا كانت قوية في إدارة خلق الثروة، والإشراف على ذلك بشكل يضمن حقوقها؛ لأن تلك الحقوق هي حقوق الفقراء، والذين يمكن أن يجدوا أنفسهم فقراء في لحظة ما. ومن دروس الثلاث سنوات الماضية أن الفقر حدث طارئ يمكن أن يصاب به حتى من كان غنياً. ذلك أن الحديث عن إفلاس المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وغلق كثير من المؤسسات المتوسطة والكبرى جراء جائحة «كوفيد»، يعني عملياً أن أعداد الفقراء قد زادت. وعندما تتهاطل هذه التداعيات، فإن الحل يكون من مشمولات الدولة، الشيء الذي يحتم أن تكون قوية، وأن تكون لديها موارد ضخمة؛ كي تتمكن من أداء واجباتها في الطوارئ. وفي الحقيقة أكبر دور تظهر فيه الدولة وظيفتها ونجاعتها هو الدور الاجتماعي الذي سيظل مطلوباً حتى لو تم القضاء على الفقر ولم يعد في العالم عاطلون عن العمل، حيث إن الأزمات خصوصاً الطبيعية منها من أسباب قوتها وقسوتها أنها تخلط أوراق الواقع، وتفسده على نحو يتغير فيه الواقع نفسه، وتظهر مشكلات لم تكن في الحسبان.
إذن الدرس الأول أنَّ خطاب تراجع دور الدولة الذي ساد في العقدين الأخيرين قد أثبتته الأحداث والأزمات، خصوصاً أنه ليس في صالح الشعوب. وأظهر الواقع أن قوة الدولة في دورها الاجتماعي في زمن الأزمات. من ناحية ثانية أكدت هذه الأزمات أن المجتمع المدني له دور حيوي أيضاً، وذلك لما يقوم به اجتماعياً من دعم ومساعدات للناس ضحايا الأزمات والمتضررين منها. فاللحظة اليوم اجتماعية في العمق، وكل حديث عن التداعيات الاقتصادية للأزمات إنما هو في الحقيقة حديث عن أفراد ستزداد هشاشتهم، وعن أسر معرّضة لشتى أنواع الأزمات والهزات، التي ستعبر عن نفسها في التوتر والعنف والطلاق وانقطاع الأطفال عن الدراسة والانحراف... لذلك فإن الرهان في دولنا العربية اليوم على المجتمع المدني من المهم أن يتكثف باعتبار دوره الاجتماعي في الأزمات أيضاً.
إن إدارة الأزمات كما أظهرت دروس السنوات الأخيرة تجعلنا أكثر ثقة وإصراراً في المطالبة بأن تظل الدولة قوية، وأن تحافظ على موارد قوتها، وأن يتصاعد دور المجتمع المدني ليكون شريكاً في إدارة أي أزمة يمكن أن تحصل. هكذا نعد العدة للأزمات وبأشياء أخرى طبعاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة من دروس الثلاث سنوات الأخيرة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon